كما جاء معرض اللومي الحساوي ليسدل الستار عن موسم زراعة اللومي البلدي، جاءت فعالية اللوز القطيفي الثانية لتقف على نهايات الموسم الزراعي لهذه الثمرة التي تحظى بشعبية عالية عند أبناء السواحل في الخليج العربي..حدثان يفتحان الباب على اقتصاديات الزراعة، وصورة الواحة، وما بقي من ملامحهما على أطراف الساحل الشرقي. كلاهما يعلن رغبته في دعم هذا الجانب من الاقتصاد، والمحافظة على استدامته، الأول اختار عنوان «معرض»، فألحق بالمناسبة ورشا ومعارض وأركانا للتعريف باستخدامات اللومي ومشتقاته، والثاني اكتفى بعنوان «فعالية» وترك لأهل الصنعة المجال لعرض حصادهم وما ابتكروه من مشتقات، فكان منها الصابون والآيسكريم والشمع.

لا يمكن مقارنة اقتصاديات هذين المنتجين باقتصاديات التمور بالأمس، والتي كانت الصورة الأبرز للواحتين قبل صعود النفط، كان كل شيء سوى التمر يبدو هامشيا، إلى الحد الذي كانت الحياة فيه تتمحور حول التمر وعطاءات النخلة، كانت النخلة هوية اجتماعية واقتصادية وثقافية، يستعير منها الناس لغتهم وحكاياتهم وأمثالهم، بمثل ما يستعرون علاقاتهم الاجتماعية، وخياراتهم الاقتصادية، طبيعة البيئة في كل واحة كانت تحدد هي الأخرى أصناف التمور وأشكال استخدامها، فكان «الخنيزي» متقدما في القطيف، بينما كان «الخلاص» سيدا في الأحساء..لهذا يبدو الاحتفاء باللوز والليمون محاولة للوقوف على أطلال الذاكرة بمنتجات بديلة، وابتكارا لحياة جديدة لها، ولو عبرت منتجات بلا أثر اقتصادي وثقافي واجتماعي عميق.

فعالية اللوز بدت هذا العام وكأنها استدراك لما فات، ومحاولة للمشي على خطى معرض اللومي في الطرف الآخر من المنطقة، تركوا الناس في فضاء المتنزه الكبير في سيهات يتلذذون بألوان اللوز ونسائم الهواء الرطبة التي تكفي لجعل كل شيء ملبدا بالماء. جل ما صنعوه أنهم حملوا الباعة من يوميات البيع على الأرصفة إلى البيع في مكان واحد لكن تحت سقف مكشوف تغطيه الشمس نهارا والأنوار المشعة ليلا..وإذا ما كان معرض اللومي أفضل حظا بتواجده ضمن خيمة مؤقتة ومكيفة، إلا أنه هو الآخر كان أصغر من الحدث، وأصغر من العناوين التي جلبت الناس إلى منصات تتشابه في المعروضات وفي الدعايات، في ممرات ضيقة كان يفترض أن تأخذ الناس إلى سعة الطموح الذي يراهن عليه أهل المنطقة وهم يسندون ظهورهم على شجرة اللومي، طمعا في صورة جديدة للواحة، بعد تضاؤل قيمة التمر خصوصا والزراعة عموما على المستوى الاقتصادي.


لمعان اللومي يشبه لمعان اللوز، لكن هذا البريق لا يخرجنا من الحسابات الاقتصادية والنوايا المعلنة، لا ينبغي لهكذا احتفاليات أن تذخر لأجل لقطات فوتوغرافية، وتقارير إخبارية، فاستدامة الواحة أو استدامة المنتجات مطلب كبير يا وزارة البيئة والمياه والزراعة إذا ما كانت النية ماضية في هذا الاتجاه. شاهدنا اللوز طيلة الموسم بلا قنوات تسويقية، ولا دعم، ولا توجيه، ولا رقابة، اشتريناه مرارا من أطراف القرى المتناثرة في القطيف، ونحن نعلم بأن أضعاف المعروض يجري تصديره للدول والمدن والمجاورة، وككل موسم، لن يعرف اللوز طريقه إلى الأسواق والهايبر ماركت، والفلاح المتعب يفضل أن يبيع حصاده كاملا ضمن صفقة خارج السوق ليكفي نفسه مؤشرات السوق المتقلبة.

كذلك اللومي، الذي يتفنن مسوقوه في الأحساء في توصيفه وتقديمه، لا نعرف أي إحصائيات عنه، ولا دراسات، فإذا كانت وزارة البيئة ترى بأنه سلعة إستراتيجية، وذات جدوى اقتصادية، فالأولى أن تتسع دائرة المبادرة باتجاه دعم السلعة في كل المدن، ومنها القطيف التي كانت وما زالت حاضنة لمزارع اللومي من فصيلة بنزهير، والذي يعرّفه الناس في المنطقة باللومي البلدي، وتارة باللومي القطيفي، وتارة أخرى باللومي الحساوي..هذه الثمرة كما ثمرة اللوز، صديقة للسواحل، وجزء من ذاكرة المدن والقرى فيها، كانت بالنسبة لهم ذات رابطة طقسية مع السمك ساعة يعصرونها لمباركة الطعام، طردا لـ (الزفورة)، وجلبا لطعم متعادل حين الأكل.

والمحصلة أنه خلال الحدثين الزراعيين تبللنا بجميل الأمنيات، ونحن الآن نفكر في اليوم التالي لهذه المناسبات، بالموسم القادم، وبالبرامج التي يمكن أن تجعل من اللومي واللوز حاضرين ضمن الكتاب الإحصائي القادم لوازرة البيئة.