كل من كتب عن أبي العلاء في هذا العصر عزاه إلى التشاؤم، وعزا تشاؤمه إلى فقد بصره، الذي جعله ساخطا على الحياة لا يرى فيها خيرا، ولا يوجس منها إلا شرًّا.

ونحن لا نوافقهم على ذلك، بل نقول: إن كان المراد بالتشاؤم الذي يتهمون به أبا العلاء السخط على الحياة، وعلى ما عليه الناس في أحوالهم الدينية والدنيوية، فصحيح أنه كان ساخطا؛ ولكن سخطه هذا لا يعد تشاؤما، لأن التشاؤم في الحقيقة هو إساءة المرء ظنه في أمور لا يؤيده فيها العقل، ولا تعضده فيها التجربة والاختبار، بل إن التشاؤم أكثر ما يكون مستندا إما إلى الوهم وإما إلى الاعتقاد الباطل.

فأما سخط أبي العلاء الذي نراه ظاهرا في جميع أقواله في اللزوميات، فيؤيده العقل الصريح والفكر النافذ والاختبار الطويل والتجربة الصادقة.


ومتى كان السخط كذلك، كان سخطًا علميًا فلسفيًّا، لا ظنيًًا ولا وهميًّا، فليس هو إذا من التشاؤم في شيء. وإن كان المراد بالتشاؤم إساءة المرء ظنه في الأمور وميله إلى جانب الشر منها ميلا مستندا إلى العاطفة لا إلى العقل حتى يرى الحسن قبيحًا، والنافع مضرًا والجيد رديئا، فأبو العلاء لم يكن كذلك بل كان يحكم العقل دون العاطفة كما يدل عليه قوله:

كـذب الـظـن لا أمـام سـوى الـعـقـ ـل مـشـيـرا فـي صـبـحـه والـمـسـاء وكان كما تدل عليه أقواله في اللزوميات لا يماشي إلا الحق ولا ينفر إلا من الباطل ولا يتحرى إلا الحقيقة ولا يستنكر إلا القبيح، ولكنّه مع ذلك يجوز أن يكون مخطئًا في بعض آرائه وغير مصيب في بعض أفكاره، ومن ذا الذي كتبت له العصمة حتى تكتب لأبي العلاء؟

فالذي لا يروقنا أو لا نراه صحيحًا من آرائه في الحياة وما يتبعها إنما هو نتيجة الخطأ لا نتيجة التشاؤم. ومهما يكن، فمن المحقق أننا لم يرو لنا رواة الأخبار عن أبي العلاء ما رووه لنا عن الشاعر المشهور ابن الرومي، ذلك الذي كان يوجس من كل شيء خيفة، ويتوقع منه شرًّا، ويتطير من كل شيء..

فهذا هو التشاؤم الحقيقي الذي كان أبو العلاء بعيدا عنه كل البعد.

1942*

*شاعر وأديب عراقي «1875 - 1945»