فيما كنا نتحدث في المقال السابق عن أهمية صناعة القدوة، والدور الفعال للإعلام في تحجيم أو تضخيم القدوات الـ(نص كم)، نتفاجأ هذا الأسبوع بإحدى الجهات الإعلامية المعروفة وقد استضافت فتاة في العقد الثاني من العمر ضمن برنامج أسبوعي للقاء حول العصير المُنكّه!

ويبدو أن معضلة الـ(عصير وذ نكهة) كانت جديرة باستضافة المخترعة الشابة من أجل الحديث حول حيثيات ابتكارها، والإلهام الذي دفع بها لاختراع العبارة الخطيرة التي على إثرها حصدت مشاهدات لا تحصى في حالة غريبة ونادرة تستحق الحفاوة!

ويُستهل اللقاء بسؤال غريب: (وش السالفة؟ وش سالفة وذ نكهة؟)

وهنا تبدأ المشهورة الجديدة الحديث بعفوية عن العبارة وكيف أنها كانت اختراعا تتناقله الصديقات بالتندر باعتباره (براندها) الخاص.

بعيدا عن اللقاء وعن الحوارات التي لا يخرج منها المشاهد بطائل، بدا من الملحوظ أن بعض الجهات الإعلامية مؤخرا أصبحت تهتم باستضافة كثير من مشاهير (الصدفة) باعتبارهم حالات لا بد وأن تطفو على السطح، بغض النظر عن المحتوى (الـ بلا محتوى) الذي يقدمونه!

وهذا من شأنه دفعنا للتساؤل مرارا وتكرارا:

هل تعطل دور الإعلام في الوقت الراهن عن صناعة النجوم الحقيقيين للدرجة التي أصبح فيها رهن نجوم الصدفة؟ هل تبدل دور الإعلام من صناعة النجوم إلى صناعة التفاهة؟

هل نحن الآن فعلا في زمن حصد المشاهدات؟.

المزيد والمزيد من المشاهدات في كل مكان وكل منصة حتى أصبح مقياس النجاح الباهر والصعود إلى القمة عدد المشاهدات، بعيدا كل البعد عن ماهية المادة المقدمة لعقل المشاهد (الغلبان)، الذي لم يعد لديه مهرب من مغبة الوقوع في هذه الفوضى سوى بالمشاهدة المتململة أو التملص منها أحيانا (بالحوقلة) وضرب الكفوف!

ربما نجد من يحاجج في هذا بأن هذا حق مكفول لكل فرد أن يقدم ما يستطيعه، ولابأس من (التنكيت) والتندر وكسر الرتابة، ونحن لا نعيب في هذا على الأفراد فلهم حقوقهم وحرياتهم أمر لا نقاش فيه، إنما نحن نتحدث عن الفوضى العارمة التي يعاني منها إعلامنا الحالي، إذ ليس من المقبول أن يقدم للعالم العربي صورا مغلوطة عن عقلية السعودي بصفة خاصة، والخليجي بالعموم.

نحتاج تسليط الضوء على شريحة المنجزين والمنجزات من أبناء هذا الوطن (مخترعون، أطباء، مهندسون، حتى حراس حدود)، هؤلاء الذين قدموا ما في وسعهم وما هو فوق طاقاتهم للارتقاء به، نحتاج دفع مثل هذه النماذج المشرفة للساحة بل للواجهة، نريد قدوة تستحق الحفاوة الحقيقية والتصفيق والفخر والاقتداء.. نريد توجها متصاعدا نحو القمة.. فهل هذا ممكن؟

أم أننا نتحدث عن ضرب من الأمنيات لا أكثر!.