لم أكن أتوقع يومًا من الأيام، أن أكتب مقالًا في أحد أعضاء جسم الإنسان، وربطه بالمال بهذه الطريقة. فمنطقيًا لا يوجد أي ربط بينهما. أفهم أن المال يرتبط بقيم معنوية مثل القوة والنفوذ والرفاهية، والأهم أنه من أساسيات الحياة، لكن أن يرتبط بالأنف كعضو من أعضاء جسم الإنسان فهذا مضحك وغريب. إلا أن أحد الزملاء وبينما نحن نقضي وقتًا معًا في أحد المطاعم، طلب خدمة إضافية وكان صعبًا على العامل أن ينفذها وأعتذر بلطف. إلا أن صاحبنا صعد الموضوع بطريقة مفاجأة رغم أنه لا يستحق كل هذا. فبعد العامل انتقل الموضوع للمسؤول عنه ثم مدير الفرع! ودهشتي تتوازى تصاعديًا مع تصعيده للموضوع السخيف، وبهمس ممزوج بفشيلة وخجل، أطلب من صاحبنا أن يعدل عن الموضوع، أو على الأقل ندفع مقابل هذه الخدمة الإضافية وكفى الله المؤمنين شر القتال. استمر الإصرار ووجدنا أنفسنا أمام مدير الفرع، وبكل حب وتواضع نفذ طلبنا كسبا للعملاء وإرضاء لنا كزبائن مزعجين. هنا علامات الرضا والسعادة ترتسم على وجهه زميلي وبابتسامة نصر قال «يا حبيبي دافعين لهم فلوس وبخشم الريال يقدمون الخدمة الإضافية».

هذا المبدأ ينتشر بين الفينة والأخرى، ويتسلل في دواخل البعض ويجعل منا -وهمًا- أشخاصًا نملك عصا سحرية تسمى المال، تخضع الجميع لنا، بخدماتهم وبوقتهم وبكل ما يملكون ورغمًا عنهم. بل ويبرر لنا هذا الريال السحري الحق في التجاوز، إلى حد المساس بكرامة الآخرين. ولا نضع في الحسبان أن بإمكان الآخرين وبسهولة أن يلفظوا الأموال في وجوهنا، ويمتنعون عن خدمتنا فما الإنسان سوى كرامة ثم تأتي البقية. ثم إن من أعطانا هذا الريال قادر بقدرته وقوته أن ينزعه منا في لحظة، هو وغيره من النعم إن لم نشكرها ونحترمها ونقدرها ونستعملها في محلها دون تبذير أو غلو أو تجاوز. فالمال وجد كوسيلة وفي جوانب واضحة، وحين يسيطر عليك فأنت استسلمت للرخص.

هذه الممارسات بشعة ومرفوضة في كل مكان بالعالم، وتصبح في أقبح حالاتها عندما تكون أنت من يمثل دينك وهويتك وبلدك وثقافتك خارجيًا، فتبدي نظرة سلبية يستطيع الآخر أن يعممها على كل من يشبهك. وحديثي عن وجودك سفيرًا لبلدك هنا، يدعوني لأختم هنا بتساؤل: ماذا لو مارس أحدهم هذه الممارسات هنا في بلدنا وقال (بخشم الدولار أو بخشم اليورو)؟!