من المعروف اليوم عند مؤسسات الفكر الغربي، والدوائر الإستراتيجية العالمية، ومؤسسات البحث العلمي، والدراسات الاستشراقية، والماكينات الإعلامية، أن الفكر الصوفي قد بعثت في أوصاله الحياة من جديد، ووضع في سياقات عقائدية وسياسية في مسعى لعولمته وإحلاله بديلًا عن السلفية العالمية.

وقد أثار هذا لدى الباحثين، العديد من التساؤلات، حول أسباب وظهور وتنامي الصوفية، أو ما يعرف بالمد الصوفي.

وقد بدأ تبني الصوفية تدريجيًا وإقحامها في بعض المجتمعات الإسلامية، من خلال تحكم الغرب في آلية التوجيه الفكري والعقائدي في بعض المجتمعات الإسلامية، وذلك عن طريق طرح مبادرات ذات مقاصد سياسية لعقد ندوات ومؤتمرات عقائدية ومذهبية وفكرية لإحياء الفكر الصوفي ودعوة بعض علماء وفقهاء العالم الإسلامي لتأييد هذا الفكر وإحيائه والالتفاف حوله، وهي مبادرات ليست بريئة فالفكرة الصوفية هي جزء من إستراتيجية متكاملة تدفع نحو عزل السلفية العالمية وإحلال الصوفية بديلًا عنها، وذلك بعد أن استقرت كفكرة ومنهج لدى دوائر القرار الغربي، حيث

يمكن ملاحظة تحرك فكري وسياسي تقوم به مؤسسات علمية وشخصيات سياسية ومراكز دراسات تستهدف إحداث تغيير جذري في حركة الدين تقوم على إضافة المشروعية على الفكر الصوفي.

وهو تحرك بدأ يجد له قبولًا واسعًا لدى بعض الدوائر الغربية، ومن هذا المنطلق أصبح المشروع الصوفي موضع بحث مستفيض لدى مؤسسة راند الأمريكية؛ فما تنشره راند من تقارير علمية تمثل مفاتيح للاسترشاد بها للتعرف على الفكرة.

فقد نشرت مؤسسة راند ـ وهي بالمناسبة مؤسسة فكرية مؤثرة في صناعة القرار الإستراتيجي في الدوائر الأمريكية تقريرًا في عام 2004 تناول أحوال العالم الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مركزًا بصفة رئيسية على الكيفية التي يجب على الإدارة الأمريكية أن تقرأ بها السلفية العالمية وتتعامل مع سلوكها.

وفي عام 2005 نشرت راند تقريرًا توصي نتائجه بعقد مؤتمر دولي يدشن لمؤسسة دولية فكرية تتتبع وترصد الظاهرة السلفية.

وفي عام 2007 تفتق ذهن راند عن تبني الفكر الصوفي لمواجهة المد السلفي العالمي فالمشرعون في راند يرون أن أصحاب المناهج الفلسفية والكلامية من متصوفة وماتردية أقدر من غيرهم على التصدي للسلفية.

وعلى إثر تلك النتائج والتوصيات تسابقت مختلف الدوائر والتوجهات الفكرية والماكينات الإعلامية إلى استقطاب وتبني الفكرة والترويج لها في بعض مجتمعات العالم الإسلامي والتحضير الكامل لنشرها من خلال مؤسسات دور النشر في العالم العربي والإسلامي فقد تسابقت بعض دور النشر على إصدار طبعات تنتقد علنًا السلفية وتؤيد المشروع الجديد، ولم يقتصر الأمر على دور النشر وإنما امتدت الفكرة إلى الندوات والمؤتمرات.

ففي ماليزيا عقدت جمعية صوفا الماليزية الصوفية ندوة عالمية لتثبيت الفكرة الصوفية، وقد شارك في الندوة حشد من الأشاعرة والصوفية جيء بهم من مختلف أنحاء العالم الإسلامي أعقبها مؤتمر الصوفية منهج أصيل للإصلاح، وقد شارك في المؤتمر نحو ثلاثمائة صوفي من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

ومؤتمر الشيشان والذي أخذ على عاتقه تحديد مفهوم أهل السنة والجماعة والذي انتهى إلى قصر أهل السنة والجماعة على الأشاعرة والصوفية والماتردية.

فالتحديات التي تواجه السلفية العالمية كثيرة ومتنوعة، وذلك لمقاومتها لظاهرة الإسلام السياسي ودعاته، أو ما يعرف بالحركات الإسلامية، أو الحركات الأصولية، أو ما يعرف بالإسلاميين أو [الإسلاموي] وقد خرجت معظم تلك الحركات والتيارات والتنظيمات من تحت عباءة تنظيم الإخوان المسلمين، وقد واجهت السلفية تلك الجماعات والتنظيمات والحركات بالطرق العلمية والمناهج الشرعية الصحيحة، وذلك نتيجة للمنهج العلمي الشرعي الذي ترتكز عليه والبعد التاريخي لها، إضافة إلى منهجيتها العلمية والعملية الشاملة والمتكاملة تجاه النصوص الشرعية وتملكها المنهج القويم المرتكز على أساس ديني والمبرأ من الكهنوت وادعاء العصمة وتوافرها على ميزتين رئيسيتين:

الأولى: العقلانية العقدية المتمثلة في التوحيد وتحرير الإنسان من أوهام الخرافة ومعتقدات الشعوذة وهو ما دفع بعض المفكرين أمثال الدكتور محمد عابد الجابري إلى اعتبار السلفية بداية التنوير الإسلامي في القرن العشرين بسبب تأكيدها على التوحيد ومسايرتها للعقل.

الثاني الدعوة الإسلامية حيث قامت السلفية بالدعوة في كل أنحاء العالم، والذي قوبل لدى غالبية العالم الإسلامي بالترحيب.

فإذا كان التيار السلفي في سياقه العام تيار عقلاني إذا ما قورن بالتيارات الأخرى إذ المرجعية لديه توقيفية على الكتاب والسنة لذا لا غرابة أن نجد كثيرًا من المفكرين المعاصرين لا يرون في السلفية إلا مرحلة أساسية للتقدم لدى الشعوب الإسلامية، ومن هذا السياق كان التوافق على أن الدعوة السلفية أكبر حركة إصلاحية دينية ديناميكية.

ذلك أن السلفية تعيد الجميع إلى أصل الدين الذي لا خلاف عليه وهو الكتاب والسنة، كما أن الفكر السلفي هو الحاضر دائمًا في المشهد الثقافي والجدل الفكري، والقادر على الدخول في سجالات ومناظرات وحوارات يمكن أن تعيد تموضع الديني والسياسي على الخارطة الحديثة للفكر الإسلامي، فالسلفية من حيث البنية الفكرية والعقدية من أكثر التيارات الدينية مرونة؛ لأن السلفية تقوم بشكل أساسي على أصول الدين بعيدًا عن الدخول في الخلافات الفرعية التي يجب أن تخضع للاجتهاد بكل مقوماته.

كما تقوم السلفية على قاعدة التفاهم والتعاون والانسجام بين السلطتين الروحية والزمنية في بلورة رؤية متماسكة انطلاقًا من أن السلفية تمثل عنصرًا وجوهرًا لمنظومة أخلاقية وروحية ومصدر تربية ذاتية وجماعية.

فالفكر السلفي ملائم للبيئات الاجتماعية، وقادر على التعايش مع المجتمعات العالمية ومتفاعل مع حاجات وأحوال العصر، ومع الحاجات الدينية والدنيوية يراعي ثوابت الشرع ومتغيرات العصر والقبول بكل المكونات المجتمعية.