لقد اقترن مفهوم المنفعة بنظريات أخلاقية وسياسية، جعلت من اللذة الفردية والجماعية معيارا يقاس به الخير والشر، ويعتمد كأساس في كثير من الأنظمة الوضعية والقيم الأخلاقية، ويعتبر جون ستيوارت ميل من الرواد في تأسيس مفهوم المنفعة كمرجعية أخلاقية واقتصادية.
في مجال الفقه الإسلامي توسع الفقهاء في قضية المصلحة التي قد تكون مرادفا -إلى حد ما- لمفهوم المنفعة، وحاولوا التفريق بين المصالح العامة والمصالح الشرعية، نظرا لاختلاف الآراء والأهواء وتضاربها في تحديد المنافع والمضار، وخوفا من دخول الأهواء والآراء البعيدة عن مقاصد الشرع، لهذا كان للنص وتدوينه وفهمه أهمية كبرى في الفكر الإسلامي، بحيث كان هو المرجع التشريعي والقيمي، وهو الملاذ الوحيد لحماية مقاصد الشريعة من فوضى التأويلات التي يكون دافعها أحيانا لا يخدم مقاصد الشرع. يقول جون ستيوارت ميل في الكتاب نفسه: «ولكن الفرد من عامة الناس يرى أن هواه، إذا عزز بأهواء غيره، كان سببا كافيا مقبولا، بل كان السبب الأوحد، لتسويغ آرائه في مسائل الذوق واللياقة والآداب مما لم يرد عنه نص صريح في عقيدته الدينية، بل قد يصير هذا الهوى دليله الأكبر في تأويل نصوص عقيدته».
فمن خلال استقراء الكتاب والسنة أولا، ثم استقراء المصادر الأخرى المكملة لهما والتي لم تخرج عن إطار النص المنزل، ارتبطت المصلحة الشرعية دائما بالنص، فكانت القاعدة عند الفقهاء دائما هي دوران المصلحة حول النص بحيث لا تخرج عنه، وحتى الإجماع والقياس لا يستقلان بذاتيهما كمصدرين، بل إنهما يعتمدان على النص في عملية الاستنباط، وتظل حاجتهما إلى الأدلة الصريحة أو الإجمالية من الكتاب أو السنة ضرورية لقبولهما.
وكان من عادة الفقهاء أخذ النصوص بظاهرها، فقد كان التأويل استثناء بحيث لا يُلجأ إليه لوجود قرينة تصرف عن الظاهر، إذ الأصل أخذ الألفاظ على ظاهرها، فضلا على قراءتهم الشاملة والكلية للنصوص والألفاظ، فلا يقتصرون على القراءة المجتزأة أو المبتسرة أو الانتقائية، مع حضور العقل في فهم النصوص، والعقل هنا مرتبط بالنص لا يخرج عنه أو يتقدم عليه، نظرا لتفاوت العقول ونسبية معرفتها واختلاف المعايير الأخلاقية والمصالح بين البشر.
أخذ مفهوم المصلحة حيزا كبيرا في الفكر الإسلامي، وتعمق الفقهاء في دراستها والتعرف على مستوياتها، فقد كان الفكر الإسلامي يتفرد عن غيره بتمتعه بنظام معرفي يوائم بين العقل والوحي دون أن يحدث أي تضارب أو تقابل باعتبار المرجعية واحدة، ففي ظل التوحيد بين الحقائق الغيبية والحقائق الحسية فإن قيم الإنسان ترتقي وتسمو حتى لا تسقط في وحل المصالح المادية المحضة، والمصلحة الشرعية التي اهتم بها الفقهاء وتعمقوا في تحليلها وتفصيلها، يختصرها الشاطبي في قوله: «إن المصالح المجتلبة شرعا والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الدنيا للآخرة لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية أو درء مفاسدها العادية، فالمعتبر إنما هو الأمر الأعظم وهو جهة المصلحة التي هي عماد الدين والدنيا لا من حيث أهواء النفوس».