والمجتمعات العربية اليوم تعيش هذا الصراع اللغوي داخل مجتمعاتها مع اللغتين الإنجليزية والفرنسية على وجه التحديد سواء في المؤسسات التعليمية أو شركات القطاع الخاص وحتى داخل أروقة الدوائر الحكومية. وصراع العربية مع اللغات الأجنبية داخل المجتمعات العربية سيولد مع الوقت شكلا من الطبقية أو الفروقات الاجتماعية بين المتحدثين، فيصبح اختيار الشكل اللغوي له دلالة إيحائية، فحين يتحدث المواطنون العرب اللغة الفرنسية -لغة المستعمر- فذلك يوحي بأنهم يريدون محاكاة نموذج غربي، ويصبح التحدث باللغة الأجنبية دلالة بأن هؤلاء المواطنين من الطبقة المتعلمة أو من فئة حاملي الشهادات. والمجتمع نفسه سيتشرب مفاهيم خاطئة حول اختيار لغة التعليم، وسيفرض الآباء والأمهات تعليم اللغة الأجنبية على أطفالهم؛ كونها تمثل لغة العلم والتطور والمستقبل المشرق، مع الأخذ بالاعتبار أن الإنجليزية هي السائدة في أغلب شركات القطاع الخاص، وإتقانها أحد أهم شروط التوظيف في سوق العمل، لذلك فإن معركة اللغة العربية مع اللغات الأجنبية في سوق العمل المحلي معركة خاسرة، لذلك يسهم سوق العمل في تقليل فرص تداول العربية في بورصة اللغات، وهذا لا يصب في صالح سوق العمل العربي بقدر ما يربط مصير الاقتصاد المحلي بالاقتصاد الخارجي، فسوق العمل أسهم في تكريس الفروقات الاجتماعية من خلال إدارة التنوع اللغوي في المجتمع بصورة خاطئة كان نتيجته غياب العربية في التخصصات العلمية في الجامعات العربية وفي مراكز البحث العلمي.
نتج عن سعة انتشار اللغة الأجنبية داخل المدن العربية التي تمثل مراكز التجمع الإداري وبؤرا لانتشار قطاعات الأعمال زيادة ملحوظة في أعداد المدارس الأجنبية التي تدرس الطفل بلغة أجنبية منذ نعومة أظفاره، وتتوزع داخلها مئات المعاهد لتعليم اللغات الأجنبية، فتدريس اللغة الإنجليزية تحول إلى صناعة وعملية اقتصادية مربحة تتناسب مع سعة انتشارها طرديا مع انحسار ملحوظ للغة الوطنية، وهذا الانحسار له تبعاته الثقافية والاقتصادية دون أدنى شك.
هذا التخطيط اللغوي غير المدروس والإدارة الخاطئة للتنوع اللغوي الاجتماعي سيحولان اللغة الوطنية إلى لغة دنيا داخل المجتمع العربي أو سيجعل منها لغة فلكلورية أو دينية يقتصر دورها داخل دور العبادة، ناهيك عن فقدان الانتماء للغة التراث والحضارة، ما يترتب عنه بالضرورة الانتماء للوطن نفسه، في عصر تعد اللغة هي العامل الرئيس في توحيد الهويات وترسيخ الانتماء الوطني.