الرأي العام ظاهرة اجتماعية حديثة النشأة لم تكن موجودة في العصور القديمة إلا نادرًا. فهي قد ظهرت مع ظهور الديمقراطية الحديثة وقد كثرت حولها البحوث العلمية، واختلفت فيها آراء الباحثين ومن المؤسف أن نرى هذا الموضوع غير مدروس دراسة وافية في اللغة العربية مع أنه من المواضيع التي لها مساس مباشر، وصلة وثيقة بكيان المجتمع العربي ومستقبله.
ومن الصعب أن نأتي الآن بتعريف واف للرأي العام، فهو كغيره من المواضيع الاجتماعية الأخرى لا يزال موضع الأخذ والرد بين الباحثين، وقد تنوعت حوله التعاريف.
وعلى أي حال نستطيع أن نقول في تعريف (الرأي العام) على وجه التبسيط والاختصار إنه الرأي الذي يسيطر على مجتمع ما حول قضية من القضايا العامة بعد أن يتناقش أفراد المجتمع حولها ويتجادلوا فيها.
معنى هذا أن حرية الجدال والمناقشة حول القضايا العامة هي من أهم مستلزمات الرأي العام فإذا لم تكن هناك حرية للمناقشة في مجتمع صعب ظهور الرأي العام فيه. وهذا هو الذي جعلنا نقول إن الرأي العام ظهر مع ظهور الديمقراطية الحديثة.
ففي العصور القديمة كانت الدولة هي المسيطرة على الناس وهي التي كانت تملك الحق المطلق في أن تبث في القضايا العامة. أما الرعايا فكان المفروض فيهم في الغالب أن يسمعوا. وقد تعود الرعايا على ذلك جيلًا بعد جيل بحيث صاروا يستغربون حين يرون رجلًا منهم يعلن رأيًا مخالفًا، وهم قد يصفونه بقلة العقل والتبصر وقد يتبرؤون منه ويتهربون من صحبته لئلا يقعوا في التهلكة.
من الممكن القول إن نوعًا ساذجًا من الرأي العام كان موجودًا في المجتمعات القبلية التي لا سيطرة للدولة عليها. وهذا النوع من الرأي العام لا يزال موجودًا كما كان قديمًا وهو الذي نراه الآن سائدًا في أكثر الشعوب البدائية والبدوية. فهناك حين تثار قضية عامة في القبيلة كان يهددها عدو أو تحل بها كارثة، يجتمع كبار السن المحنكون مع رئيس القبيلة ليتناقشوا ويبحثوا القضية من نواحيها المختلفة، وكثيرًا ما يشترك معهم في المناقشة معظم أفراد القبيلة، فيتسع الجدال ويطول وقد ينتهي الأمر أخيرًا إلى اتخاذ الرأي الغالب وهو الرأي الذي يتبناه رئيس القبيلة، ويقود القبيلة على أساسه مما يجدر ذكره في هذا الصدد أن الرأي العام الموجود في البلاد الديمقراطية الحديثة يختلف من بعض الوجوه عن الرأي العام القبلي الذي تحدثنا عنه آنفًا. فالمجتمع القبلى يخضع للعادات والتقاليد، والقيم الاجتماعية كل الخضوع وإذا تناقش أفراده حول أية قضية عامة فإن مناقشته مهما تشعبت فهي لا تخرج عن نطاق العادات والتقاليد أنها مناقشة مقيدة ومن النادر أن تكون حرة طليقة، وهذا هو الذي جعل بعض الباحثين ينكرون وجود الرأي العام في المجتمع القبلي.
يقولون من الحرية من مستلزمات ظهور الرأي العام في المجتمع. وهم يعنون بها الحرية السياسية والحرية الاجتماعية معًا، فلا يكفي في نظرهم أن يكون المجتمع حرًا فقط بل يجب أن يكون أيضًا حرًا من استبداد العادات والتقاليد.
أصبح الرأي العام مقدسًا في نظر بعض المفكرين، وبعض الأحزاب السياسة الحديثة. فهؤلاء يعتقدون أن الرأي العام لا يخطئ أبدًا ، وأن الجماهير إذا نادت برأي فلا بد أن يكون ذلك الرأي حقًا مطلقًا لا يعتوره الباطل.
ولكن هذا الاتجاه في تقديس الرأي العام ظهر له خصوم ذهبوا إلى النقيض منه، نخص بالذكر منهم (نيتشه الألماني وباريتو) الإيطالي و(جوستاف لوبون الفرنسي وأورتيجا) الإسباني. ومن المناسب أن تذكر هنا خلاصة لرأي أحد هؤلاء وهو (جوستاف لوبون).
يقول جوستاف لوبون إن المفكرين صاروا في العصر الحديث يمجدون الجماهير، ويتملقون إليهم أكثر مما كانوا يتملقون قديمًا إلى السلاطين. إن الجموع الغوغائية أصبحت اليوم هي الحاكم المطلق في توجيه السياسة العامة، وأصبح السياسيون والإداريون والمفكرون يخضعون لها، ويخشون غضبها. وهذا من معالم هرم الحضارة الحديثة، وقرب انهيارها كما انهارت الحضارات السابقة قبلها.
إن الحضارة فى رأي لوبون هي من صنع أقلية صغيرة تملك المواهب النادرة، ولكن الغوغاء لا يفهمون ذلك، فهم يعتقدون أنهم بناة الحضارة وأنهم قادرون على كل شيء. وقد زاد عدد المنافقين المتزلفين لهم، وبذا أصبحت العبودية للغوغاء سنة سائدة على الجميع، وصار الغوغاء كالجراثيم يعملون دومًا في سبيل انحلال الحضارة. 1975*
* عالم اجتماع عراقي «1913- 1995».
ومن الصعب أن نأتي الآن بتعريف واف للرأي العام، فهو كغيره من المواضيع الاجتماعية الأخرى لا يزال موضع الأخذ والرد بين الباحثين، وقد تنوعت حوله التعاريف.
وعلى أي حال نستطيع أن نقول في تعريف (الرأي العام) على وجه التبسيط والاختصار إنه الرأي الذي يسيطر على مجتمع ما حول قضية من القضايا العامة بعد أن يتناقش أفراد المجتمع حولها ويتجادلوا فيها.
معنى هذا أن حرية الجدال والمناقشة حول القضايا العامة هي من أهم مستلزمات الرأي العام فإذا لم تكن هناك حرية للمناقشة في مجتمع صعب ظهور الرأي العام فيه. وهذا هو الذي جعلنا نقول إن الرأي العام ظهر مع ظهور الديمقراطية الحديثة.
ففي العصور القديمة كانت الدولة هي المسيطرة على الناس وهي التي كانت تملك الحق المطلق في أن تبث في القضايا العامة. أما الرعايا فكان المفروض فيهم في الغالب أن يسمعوا. وقد تعود الرعايا على ذلك جيلًا بعد جيل بحيث صاروا يستغربون حين يرون رجلًا منهم يعلن رأيًا مخالفًا، وهم قد يصفونه بقلة العقل والتبصر وقد يتبرؤون منه ويتهربون من صحبته لئلا يقعوا في التهلكة.
من الممكن القول إن نوعًا ساذجًا من الرأي العام كان موجودًا في المجتمعات القبلية التي لا سيطرة للدولة عليها. وهذا النوع من الرأي العام لا يزال موجودًا كما كان قديمًا وهو الذي نراه الآن سائدًا في أكثر الشعوب البدائية والبدوية. فهناك حين تثار قضية عامة في القبيلة كان يهددها عدو أو تحل بها كارثة، يجتمع كبار السن المحنكون مع رئيس القبيلة ليتناقشوا ويبحثوا القضية من نواحيها المختلفة، وكثيرًا ما يشترك معهم في المناقشة معظم أفراد القبيلة، فيتسع الجدال ويطول وقد ينتهي الأمر أخيرًا إلى اتخاذ الرأي الغالب وهو الرأي الذي يتبناه رئيس القبيلة، ويقود القبيلة على أساسه مما يجدر ذكره في هذا الصدد أن الرأي العام الموجود في البلاد الديمقراطية الحديثة يختلف من بعض الوجوه عن الرأي العام القبلي الذي تحدثنا عنه آنفًا. فالمجتمع القبلى يخضع للعادات والتقاليد، والقيم الاجتماعية كل الخضوع وإذا تناقش أفراده حول أية قضية عامة فإن مناقشته مهما تشعبت فهي لا تخرج عن نطاق العادات والتقاليد أنها مناقشة مقيدة ومن النادر أن تكون حرة طليقة، وهذا هو الذي جعل بعض الباحثين ينكرون وجود الرأي العام في المجتمع القبلي.
يقولون من الحرية من مستلزمات ظهور الرأي العام في المجتمع. وهم يعنون بها الحرية السياسية والحرية الاجتماعية معًا، فلا يكفي في نظرهم أن يكون المجتمع حرًا فقط بل يجب أن يكون أيضًا حرًا من استبداد العادات والتقاليد.
أصبح الرأي العام مقدسًا في نظر بعض المفكرين، وبعض الأحزاب السياسة الحديثة. فهؤلاء يعتقدون أن الرأي العام لا يخطئ أبدًا ، وأن الجماهير إذا نادت برأي فلا بد أن يكون ذلك الرأي حقًا مطلقًا لا يعتوره الباطل.
ولكن هذا الاتجاه في تقديس الرأي العام ظهر له خصوم ذهبوا إلى النقيض منه، نخص بالذكر منهم (نيتشه الألماني وباريتو) الإيطالي و(جوستاف لوبون الفرنسي وأورتيجا) الإسباني. ومن المناسب أن تذكر هنا خلاصة لرأي أحد هؤلاء وهو (جوستاف لوبون).
يقول جوستاف لوبون إن المفكرين صاروا في العصر الحديث يمجدون الجماهير، ويتملقون إليهم أكثر مما كانوا يتملقون قديمًا إلى السلاطين. إن الجموع الغوغائية أصبحت اليوم هي الحاكم المطلق في توجيه السياسة العامة، وأصبح السياسيون والإداريون والمفكرون يخضعون لها، ويخشون غضبها. وهذا من معالم هرم الحضارة الحديثة، وقرب انهيارها كما انهارت الحضارات السابقة قبلها.
إن الحضارة فى رأي لوبون هي من صنع أقلية صغيرة تملك المواهب النادرة، ولكن الغوغاء لا يفهمون ذلك، فهم يعتقدون أنهم بناة الحضارة وأنهم قادرون على كل شيء. وقد زاد عدد المنافقين المتزلفين لهم، وبذا أصبحت العبودية للغوغاء سنة سائدة على الجميع، وصار الغوغاء كالجراثيم يعملون دومًا في سبيل انحلال الحضارة. 1975*
* عالم اجتماع عراقي «1913- 1995».