محمد حسن الساعدي

لا تزال فكرة الدولة المدنية في العراق، تشهد الكثير من اللغط والنقاش الواسع، بل تحول النقاش فيها الى الجدال الحاد، بين التيارات المدنية والإسلامية،حيث عدها الإسلاميون خرقا للمجتمع المسلم، ومحاولة تغيير أسلوب وسلوك المجتمع وتغيير عاداته وتقاليده، بما يتسق والشرع المقدس، فيما عدها المدنيون أنفسهم أنها محاولة لإنهاء دور حكم الإسلاميين، والذين يعتقدون أنهم فشلوا في تغيير الواقع بعد عام 2003، لذلك عمل الفريقان بكل قوتهما من أجل تحقيق طموحاتهما وأهدافهما، وعلى الرغم من تأخر هذا المفهوم في العراق، إذ ظهر هذا المفهوم في أدبيات العلوم السياسية خلال الثلاثة عقود الأخيرة، سيما بعد ظهور موجة ما سمي بالربيع العربي، لذلك فإنه بظهوره أثار الكثير من اللغط والتجاذب،وذلك لأنه لم يتم تكييفه مع مجتمعاتنا عامة، وبما يتناسب مع الخصوصية الدينية والثقافية للمجتمع عموماً.

لقد عرّف المختصون الدولة المدنية، بأنها اتحاد أفراد يعيشون في مجتمع، يخضع لمنظومة من القوانين، مع وجود فضاء يُرسي مبادئ العدالة في إطار عقد اجتماعي جديد، تتوافق فيه إرادات جميع أو أغلب مكونات وقوى المجتمع، وتأتي هذه التسمية كون الإنسان بطبعه مدنياً، وبالتالي فإن القواعد التي تنظم حياته وعلاقاته ستكون مدنية، وهو مفهوم أخذ به أرسطو وابن سينا وابن خلدون ومونتسيكو وغيرهم.

تعمل الدولة المدنية على التمييز بين الحيز العام والخاص، وعدم خلط الدين بالسياسة، ولكن في نفس الوقت تحترم الأديان والمذاهب،وعدم السماح باستغلال الدين لأغراض شخصية أو سياسية، تستخدم الدين أو الرموز الدينية غطاءً لها، وتؤكد على احترامها لجميع الأديان، وحق الإنسان في ممارسة طقوسه، بحرية كاملة ودون قيود، وهذا ما يحدده الدستور النافذ، وأن العلاقة بين المواطن والدولة تعتمد الانتماء والعقلانية، واحترام التراث والعادات والتقاليد المتوارثة، وهذا ما نحتاج النقاش فيه للوصول إلى المشتركات ونجعلها قواعد مهمة للتفاهم، والعمل بها والسير عليها. إن السر الأساسي في تقييم علاقة المواطن بالدولة يأتي من خلال المواطنة الحقة، والتي تستوعب كل هذا التنوع الإثني والمذهبي، وأن تأخذ دورها في احتواء كل الخلافات على الأرض، وتحفيز المشاركة أو الممارسة السياسية وتعميق ثقافة التسامح وبكل مجالاته، والنظر إلى الآخر على أنه «نظير لك في الخلق» وبما يعزز الثقة بين المواطنين من جانب وبين المواطن والدولة، ما يجعل الوعي الوطني يقف أمام كل الواجهات الطائفية والحزبية الضيقة، والدولة المدنية يكون فيها النظام السياسي والدستور أهم الأسس في الاستقرار بالبلاد، ويكون المجتمع فيها مبنيا على أساس الأخلاق، ويأتي ذلك من خلال إعلاء صوت القانون واحترام التنوع بكافة أنواعه.

إن من أهم مقومات النجاح، والمفتاح الأساسي للمواطن كي تستقيم علاقته بالدولة، هو العمل وفق مبدأ المواطنة، والتي هي الحاضنة للتنوع الثقافي والديني، كما أنها ستكون حافزا للأداء والأفكار الأخرى كي تأخذ المنحى نفسه، من خلال تحفيز المشاركة السياسية، وتعميق التسامح بكل أنواعه، وبما يعزز الثقة بين المواطن والدولة، وبذلك سيكون للوعي دور مهم وريادي في بناء ونهضة الأمة بشكل عام، من خلال الالتزام بالواجبات الوطنية والمدنية، في قبول أي أفكار طائفية أو حزبية ضيقة.

الدولة المدنية يكون فيها الدستور والنظام مصدر الأمان والاستقرار فيها، والتعاطي الإيجابي بين مكونات المجتمع كافة، والتي تكون مبنية على أساس الاحترام المتبادل بين تلك المكونات، ويكون القانون هو الحكم والفيصل بينهم، وبما يحقق العدالة والمساواة بين أفراده كافة، لذلك على الدولة أن ترتقي في تعاملها مع المواطن، من خلال البحث عن مصادر رقيه وتطوره، من خلال تحسين وضعه المعيشي ببناء نظام اقتصادي عادل وفاعل، يضمن حقوق جميع المكونات، وكل ذلك يأتي من خلال محاربة الأفكار الضالة التي تريد الشر بالمجتمع العراقي، ومحاربة الجهل والتخلف الممنهج الذي يريد بالمجتمع أن يكون أسيراً للعادات والتقاليد المستوردة، وتحويله إلى مجتمع جاهل لا يعرف مستقبله.