على نص التهنئة - الساخرة- التي طيرها الرئيس الإيراني إلى الأسد قائلا إن «الشعب السوري خطا، بهذا الإقبال الكبير والاختيار الحاسم، خطوة مهمة نحو تقرير مصيره وازدهار سورية». نادراً ما يجمع هذا الكم من اللامعنى في أقل من سطرين. قبل ساعات كان حسن روحاني يشكو لمرشده أن مجلس صيانة الدستور أقصى «الإصلاحيين» وحصر المنافسة على الرئاسة الإيرانية في المرشحين المحافظين، ما يهدد «الإقبال الكبير» على التصويت. لكنه يعلم أن مجلس الصيانة نفذ إرادة علي خامنئي.
ماذا بعد إعادة انتخاب الأسد، وهل تغير شيئا؟ ليست لدى النظام قوة دفع، سياسية أو اقتصادية، لتجاوز ارتكابات عشرة أعوام كأنها لم تكن، لكن لديه رهانات على تغيير لدى من يسميهم «الخصوم» و«الأعداء» يدفعهم إلى قبوله كما هو، باعتبار أنهم يحتاجون إليه مثلما احتاج إليه الروس والإيرانيون والأتراك والإسرائيليون وحتى الأمريكيون لتحقيق مصالحهم. فهؤلاء ساعدوه في «بيع» روايته للأزمة بالقوالب التي تصورها وصنعها: «مؤامرة كونية»، «مواجهة مع الإرهاب»، «حرب عالمية على المقاومة»... لكنهم لم ينسوا أن ما استدعاهم للتدخل هو أن الأزمة «داخلية» في الأساس، وأن النظام كان استعدى شعبه واستعد لسحقه بكل الأساليب، حتى لو تطلبت جراحة تستأصل الملايين من أبنائه ومساحات من أرضه. هذه هي «المهمة الوطنية» التي قال الأسد، أخيرا، إنها «أنجزت»، وهذه هي «الرسالة إلى الأعداء» التي عناها، أي أن أمامهم خيارا واحدا: ابتلاع المليون ونصف مليون قتيل ومفقود ومصاب، واثني عشر مليون لاجئ ومشرد، ومئات المجازر وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية... للقبول بما هو متاح: «سورية الأسد».
بالنسبة إلى الشعب السوري تمثل إعادة انتخاب الأسد شيئا واحدا هو أن محنته مستمرة وتتطلب منه صبرا أطول، فالمواقف الأمريكية والأوروبية لم تكن حاسمة لمصلحته في أي وقت، لا في تمكينه من الانتصار ولا في ترجمة هزيمته العسكرية إلى تسوية سياسية. أما الأطراف الخارجية المتدخلة، فلديها كثير مما تعتبره مكاسب. روسيا ترى في إعادة انتخاب الأسد تثبيتا لهيمنتها ودورها الجديد في الشرق الأوسط، بالتوافق مع الدول الثلاث (إيران وتركيا وإسرائيل). وإيران تسجل خطوة أخرى متقدمة نحو بلورة أهداف ثلاثة لمشروعها الإقليمي: «تعزيز نفوذها في سورية»، «تحالف الأقليات» و«تقوية محور المقاومة والممانعة». وتركيا تستشعر فرصا جديدة لتزكية نفوذها في المنطقة إذ تلعب ورقتي التحالف والتنافس مع روسيا، وتقدم نفسها شريكا متفاهما مع إيران وبديلا منها في آن، ولا تقطع شعرة التواصل مع إسرائيل. أما الأخيرة، فكانت ولا تزال تدعم بقاء الأسد بعد ما حقق لها أكثر مما تريده من دمار لسورية، وتعتقد خطأ أن نفوذ إيران مجرد أضرار جانبية يمكن التعايش معها.
يبقى أن هذه الأطراف الأربعة، إضافة إلى الأسد ونظامه، موقنة الآن أن مستقبل أدوارها ومطامعها والإفلات من جرائمها بات يتطلب «شرعنة» عربية لتقاسمها النفوذ وتقطيعها أوصال الجغرافية السورية، بل يتطلب تمويلا عربيا لإعادة الإعمار. لكن العرب معنيون بـ«سورية» لا بنفوذ صوري فيها، وبإنصاف الشعب السوري لا بتكرار نكبة الشعب الفلسطيني باقتلاعه من أرضه ونهب ممتلكاته، من دون نسيان نكبات أخرى في العراق ولبنان واليمن.
* ينشر بالتزامن مع موقع «النهار العربي»
ماذا بعد إعادة انتخاب الأسد، وهل تغير شيئا؟ ليست لدى النظام قوة دفع، سياسية أو اقتصادية، لتجاوز ارتكابات عشرة أعوام كأنها لم تكن، لكن لديه رهانات على تغيير لدى من يسميهم «الخصوم» و«الأعداء» يدفعهم إلى قبوله كما هو، باعتبار أنهم يحتاجون إليه مثلما احتاج إليه الروس والإيرانيون والأتراك والإسرائيليون وحتى الأمريكيون لتحقيق مصالحهم. فهؤلاء ساعدوه في «بيع» روايته للأزمة بالقوالب التي تصورها وصنعها: «مؤامرة كونية»، «مواجهة مع الإرهاب»، «حرب عالمية على المقاومة»... لكنهم لم ينسوا أن ما استدعاهم للتدخل هو أن الأزمة «داخلية» في الأساس، وأن النظام كان استعدى شعبه واستعد لسحقه بكل الأساليب، حتى لو تطلبت جراحة تستأصل الملايين من أبنائه ومساحات من أرضه. هذه هي «المهمة الوطنية» التي قال الأسد، أخيرا، إنها «أنجزت»، وهذه هي «الرسالة إلى الأعداء» التي عناها، أي أن أمامهم خيارا واحدا: ابتلاع المليون ونصف مليون قتيل ومفقود ومصاب، واثني عشر مليون لاجئ ومشرد، ومئات المجازر وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية... للقبول بما هو متاح: «سورية الأسد».
بالنسبة إلى الشعب السوري تمثل إعادة انتخاب الأسد شيئا واحدا هو أن محنته مستمرة وتتطلب منه صبرا أطول، فالمواقف الأمريكية والأوروبية لم تكن حاسمة لمصلحته في أي وقت، لا في تمكينه من الانتصار ولا في ترجمة هزيمته العسكرية إلى تسوية سياسية. أما الأطراف الخارجية المتدخلة، فلديها كثير مما تعتبره مكاسب. روسيا ترى في إعادة انتخاب الأسد تثبيتا لهيمنتها ودورها الجديد في الشرق الأوسط، بالتوافق مع الدول الثلاث (إيران وتركيا وإسرائيل). وإيران تسجل خطوة أخرى متقدمة نحو بلورة أهداف ثلاثة لمشروعها الإقليمي: «تعزيز نفوذها في سورية»، «تحالف الأقليات» و«تقوية محور المقاومة والممانعة». وتركيا تستشعر فرصا جديدة لتزكية نفوذها في المنطقة إذ تلعب ورقتي التحالف والتنافس مع روسيا، وتقدم نفسها شريكا متفاهما مع إيران وبديلا منها في آن، ولا تقطع شعرة التواصل مع إسرائيل. أما الأخيرة، فكانت ولا تزال تدعم بقاء الأسد بعد ما حقق لها أكثر مما تريده من دمار لسورية، وتعتقد خطأ أن نفوذ إيران مجرد أضرار جانبية يمكن التعايش معها.
يبقى أن هذه الأطراف الأربعة، إضافة إلى الأسد ونظامه، موقنة الآن أن مستقبل أدوارها ومطامعها والإفلات من جرائمها بات يتطلب «شرعنة» عربية لتقاسمها النفوذ وتقطيعها أوصال الجغرافية السورية، بل يتطلب تمويلا عربيا لإعادة الإعمار. لكن العرب معنيون بـ«سورية» لا بنفوذ صوري فيها، وبإنصاف الشعب السوري لا بتكرار نكبة الشعب الفلسطيني باقتلاعه من أرضه ونهب ممتلكاته، من دون نسيان نكبات أخرى في العراق ولبنان واليمن.
* ينشر بالتزامن مع موقع «النهار العربي»