طرح مسافرٌ حائر سؤاله على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي عن الطريقة الأسلم لشحن «عزبة الكشتة» إلى خارج المملكة، هل يضعها في كرتون؟ أم حقيبة منفصلة؟ أم يشحنها على متن طائرة من سلالة الراحلة «أنتونوف-225» ويطوقها بالحرس والسلاح حتى تصل إلى وجهتها بسلام؟ والحمد لله فقد «فزع» له الجميع وكلٌ أدلى بدلوه وطرح تجربته الفذة في شحن «عزبة الكشتة» إلى خارج الوطن ووصولها بأمان.

أما أنا فإن سؤالي الذي أطرحه «الحين» وكل حين فهوعن سرّ هذه العلاقة العاطفية الوطيدة بين السعودي و«عزبة الكشتة» التي يبدو أنها بسطت هيمنتها وتجاوزت حدود الوطن إلى الدول الأخرى. بل أصبحت كالزوجة «اللي ساحرة زوجها» ولا يستغني عنها في حله وترحاله. وأنا هنا لا أقصد العزبة «الكيوت» الخاصة بإعداد الشاي والقهوة السعودية، بل العزبة «البريميوم» المدججة بكل أدوات ومكونات إعداد «الكبسة» بمختلف أنواعها.

كنت قبل سنوات مضت في إحدى مناطق إنجلترا الريفية التي يرتادها السياح بكثرة. خرجت يومها للتنزه ومررت بأحد المنتزهات، فإذا برائحة العشب الساحرة تتلاشى ورائحة الكبسة تتجلى، «معقول؟ كبسة؟ لالا». لم أصدق أنفي لوهلة، فتوقفت وأخذت نفسًا عميقًا كادت أن تنفجر منه رئتيّ. فكك دماغي شيفرة هذه الرائحة سريعًا، وكانت النتيجة: كبسة رز ولحم و«الكُشنة» صُنعت بحبّ وسخاء. تقدمت قليلًا فإذا بصوت العصافير يخبو وصوت «صفارة قدر الضغط» يعلو.


ظل الصوتان هكذا بالتناوب.. «صوت طالع وصوت نازل» الله الله على هذا التناغم، لقد كان الأمر أشبه بسيمفونيةٍ يعجز عرّاب المعزوفات «بيتهوفن» عن الإتيان بمثلها. أوقد هذا المزيج شرارة الحنين في قلبي وكان لسان حالي كما قال محمود درويش -بتصرّف-: «أحنّ إلى كبسة أمي.. وقهوة أمي ولمسة أمي». لكنني عدت إلى رشدي سريعًا.. «اصحي.. اصحي».

أرجو ألا يغضب مني أصحاب «شيل وحطّ العزبة» لكنني شخصيًا لا أحبذ هذه الفكرة كثيرًا وأرى بها بعض التشبث «اللي ماله سنع». أنا أعلم مدى تعلقكم بمثلث السعادة: «العزبة» و«الكشتة» و«الكبسة». لكن حبذا لو تركتم هذا المثلث في الوطن لئلا تكون سياحتكم و«خسايركم» مجرد تجربة ناقصة الأركان «ممتلئة الأكراش». تنزهوا.. وتذوقوا الأطباق الشهيرة في البلد الذي تزورونه - أقصد الحلال طبعًا.. «حتى لا يتفزلك المتفزلكون»- ومهما «هزكم الشوق» إلى الكبسة، فتصبروا وتذكروا أنكم «ضاربون بالخمس ولو بعد حين».