إنَّ السِّياسة هي محرِّك الفتيا في جماعة الإخوان وأنصارها، يكفِّرون من خالفهم كان من كان. أما إن وافقهم فيضحي رمز العطاء والتضحية، ولربما قالوا فيه «شهيد القدس»! بلا أيِّ ضابط شرعي إنما هو بحسب قربه منهم أو بعده عنهم. وتاريخ الجماعة لا يسعفها في تقبُّل آراء المخالفين لها، فيذكر كثيرون اغتيال فرج فودة في 1992 بعد مناظرة له مع محمد الغزالي، ومحمد عمارة، ومأمون الهضيبي، المرشد السَّادس لجماعة الإخوان، إذ انطلقت بعدها فتوى بتكفيره، ثم سقط باغتيال! ودافع محمد الغزالي عن القتلة في المحكمة بأنَّ فودة كان كارهًا للدِّين.
وفي 1995 تعرَّض نجيب محفوظ للطعن بسبب رواية أدبية. لكنَّ الجماعة سعت طيلة تاريخها للتملُّص من هذا بحجَّة أنَّ هؤلاء ليسوا إسلاميين، فوضعتهم في خانة العلمانية.
وقد يعزب عن بال كثيرين ما أفرزته الجماعة ضد مشايخ لا يمكن أن يقال فيهم إنهم مفكرون علمانيون أو أدباء لا يكتبون في العلوم الدينية، وذلك ما حصل مع الشيخ محمد حسين الذهبي، وزير الأوقاف المصري سنة 1975، صاحب كتاب «التفسير والمفسرون» في 3 مجلدات. وقد عمل الذهبي أستاذًا في كلية الشَّريعة جامعة الأزهر، وأعير إلى جامعة الكويت سنة 1968، لكنَّه كان في موعد بمنزله مع عناصر مسلحة اختطفه في سيارة سنة 1977.
وترجع القضية إلى سنة 1965 حين سجنت السلطات المصرية كوادر جماعة الإخوان المسلمين فيما يعرف بـ«تنظيم عبد الفتاح إسماعيل»، الذي قرر مع سيد قطب تجديد نشاط الجماعة بعد حظرها في مصر، وإعادة تأسيس النظام الخاص المسلَّح للجماعة، وكان من بين من دخلوا السجن حينها شاب من كلية الزراعة، اسمه شكري مصطفى عبد العال، وفي سجنه تعرَّف على أحد قيادات الإخوان حينها، وهو أحمد رائف، وسجَّل رائف في مذكراته، التي سماها «البوابة السوداء»، تأثيره في شكري مصطفى. وقال إن شكري قال له: «لقد سمعتُ منك قصة الإسلام بالتفصيل، وكلما ازددت معرفة ازددت غيظًا».
هذا الغيظ على الدولة والمجتمع جعل شكري، المشبع بأفكار سيد قطب عن الحاكمية، يشكِّل جماعة بعد خروجه من السِّجن، وكان أتباعه يخاطبونه بـ«الإمام»، وكان منهم عبد الرحمن أبو الخير، الذي كتب مذكراته بعنوان «ذكرياتي مع جماعة المسلمين»، وتعاملوا مع أنفسهم على أنهم المسلمون في مجتمع جاهلي، كما قال سيد قطب، والويل لمن ينقدهم بكلمة.
وبحسب شهادة علي عشماوي في مذكراته «التاريخ السِّري لجماعة الإخوان»، فإنَّ سيد قطب لم يكن يصلي الجمعة، لغياب إمام المسلمين بنظره، وهو ما تمثل في جماعة شكري. ففي نص أقوال شكري أمام محكمة أمن الدولة العسكرية العليا سنة 1977، قال إنَّ جماعته لا تصلي الجمعة مع غيرها.
وقد أدار وزير الأوقاف المصري السَّابق محمد حسين الذهبي الرُّوليت عند تعرُّضه للجماعة بالاعتراض على مسالكهم، وخرجت الطلقة! فما كان منهم إلا أن خطفوه من بيته وقتلوه! وسجن إثر ذلك شكري مصطفى. وفي محضر جلسة 9 تشرين الثاني 1977، سألت المحكمة شكري ما يعتقده في الذهبي، فقال: «هو عندي كافر». ومن بين ما ذكره من مناطات تكفيره عنده أنه قال إنَّه أقسم قسَم الوزراء من باب الولاء للدولة التي يراها شكري كافرة، وهي الحُجج نفسها التي يقولها أنصار الجماعة اليوم في الخميس وغيره. لمَ لا تتكلمون في الحكومات؟ لم تعترضون علينا؟ وما ذلك إلا لتكفيرهم للدول العربية.
أعدم شكري مصطفى لجريمة اغتيال وزير الأوقاف، وبعدها نقد كثيرون الإخوان وسياساتهم، ولم تخرج طلقات، إنما تحريض سافر وإسقاط، لكنْ هذه هي طبيعة لعبة الروليت الروسية، لا تخرج الطلقات كلَّ مرة، ولكنْ متى خرجتْ لا يكون هذا غريبًا عليها. إنَّ الجماعة لا تزال على طريقتها في التعامل مع أي مخالف مهما قال فيها، فما دام مخالفًا فإنِّه بنظرها يدير دوَّار المسدَّس!