هناك أسئلة كثيرة، ومتشابكة قبل اتخاذ أي قرار مهم على المستوى الشخصي فكيف بالقرارات على مستوى الدول؟ وهذا في حال كان القرار لقضية حالية وواضحة المعالم، أو على المستوى المنظور، فماذا عن التعامل مع توقُّعٍ مستقبليّ؟

مهما يكن حجم المجهول المتخيَّل وقت دراسة التوقعات، فإنه لن يكون بحجم القلق والتوتر عند التعاطي مع أزمة ملحة حصلت فعلا! فالتعاطي مع مشهدٍ مُتوقَّعٍ لم يحدُث بعد، يمنحنا مساحةً، وحالة من الهدوء -حتى لو حاول من يشرح السيناريو المتوقّع تضخيم المجهول والتخويف منه- وحتمًا لن يتوفر هذا الهدوء حال وقوع السيناريو المتخيل.

ومع ذلك؛ فإن استشراف المستقبل عملية ليست يسيرة، وبدلًا من أن يكون توفر المعلومة مُسهِّلاً لعملية الاستشراف، فإنها باتت أصعب نظرًا لكثافة المعلومات التي تتطلب التقييم. ولتوضيح الصورة أكثر حيال اتخاذ قرار بشأن المعلومة، فقد كان لدى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش -وقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر- ( 13) ساعة فقط ليقيّم المعلومات بشأن المسؤول عن الهجوم، ولاتخاذ القرار – بحسب ما روته الباحثة إيمي زيجارت أستاذ العلوم السياسية وكبير الباحثين في مؤسسة هوفر، أما اليوم فالمدة ستتضاءل لدقائق نظرًا لكثافة المعلومات وسرعة تداولها وضخامتها وتدفقها الهائل.


إن سرعة تدفّق المعلومات تُصعّب من عملية معالجتها وتحليلها، وقبل ذلك كله تقييمها، وأخيرًا اتخاذ قرار بشأنها. وكلّ ذلك قد يسهل عملية اتخاذ القرار، وقد يعقّدها ويجعلها محفوفة بالمخاطر.

ولك أن تتخيّل أن المعرفة البشرية كانت تتضاعف كل قرن تقريبًا حتى عام 1900، وهذا ما أكده البروفيسور الأمريكي ريتشارد فولر في كتابه المؤثر «المسار الحرج» الصادر عام 1982، وقدّم من خلاله مؤشر «منحنى مضاعفة المعرفة»؛ ونقلًا عن البروفيسور جمال السويدي في مقاله: «الاستثمار في ثورة المعرفة والتكنولوجيا»، المنشور في عام 2020، فبحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت المعرفة تتضاعف كل 25 عامًا. ويرى السويدي أن «قياس نمو المعرفة على النهج نفسه اليوم ليس بالأمر اليسير، وسيكون أكثر تعقيدًا في المستقبل؛ فكل فرع من فروع المعرفة يملك معدل نمو يختلف عن غيره، فعلى سبيل المثال تتضاعف المعرفة في تكنولوجيا النانو كل 24 شهرًا، بينما هي 18 شهرًا تقريبًا في المعارف الطبية والصحية، وفي المتوسط؛ فإن المعرفة في مجالاتها كافة تتضاعف حاليًا كل 13 شهرًا، ولكن مع ثورة المعرفة؛ فإن تكامل الذكاء الاصطناعي مع غيره من التكنولوجيات، كإنترنت الأشياء، سيؤدي بالضرورة إلى مضاعفة المعرفة كل 12 ساعة، وفقًا لتقديرات شركة «آي. بي. إم» الأمريكية العملاقة». كانت هذه التقديرات قبل 6 سنوات!

أستشهد بهذه التقديرات لأقول: إنه مع كل هذا الزخم والحجم الهائل الذي لا يمكن تصوّره من المعلومات، وكمّيتها، فإنّ خبراء الاستشراف أمام تحدٍّ كبير وفرص أكبر لدراسة المستقبلات الممكنة والمتخيلة والمرغوبة، ومعالجتها ووضع سيناريوهات لها. فهل يمكن استيعاب وفهم وتخيّل حجم المعلومات اليوم؟ وغدا؟ وما هي الخطوة التالية؟ أخشى ألا نجد الوقت الكافي لتخيُّل المستقبل!