كلما أطل على الأكوانِ هلال رمضان، عاد إلى الأمة حنينها إلى ماضي ذكرياتها، إنه الهدى في ضيائها وإشراقها، إنها القوة في صفاء ينبوعها وأصالتها، لأنها ذكريات لا تنسب إلى مُلك تُمهد له الأسباب، ولا إلى سيطرة جاهلية يوسع لها في طرائق الحياة، وإنما هي ذكريات تنتسب إلى طريق النبوة والهدى، وتتصل بمنابع الوحي من السماء، وتأخذ بالأمة إلى مرابع الإيمان والجهاد.

ما أبهى طلة هلاله، وما أسعد تلك اللحظات عندما ننتظر خَبَر التبشير بقدومه.. الأفئدة من فرط فرحتها تكاد تطير شوقاً لقدومه... والقلوب من لهفتها إليه يعمها الفرح والسرور.. أتيت وأتى الخيرُ معك... أتيت وأتى الفرجُ معك.. أتيت وأتى الأنسُ معك.

يا شهراً يحبه الملايين .. يا شهراً تعشقه النفوس ... يا شهراً بعد غيابٍ أتى ... يا شهراً بعد انتظارٍ عاد .


إطلالتك علينا تُبهجُ الأرواح وتعيد لنا لياليك الملاح .... إطلالتك علينا تنقلنا إلى عالم السعادة والحياة الهانئة ... إطلالتك علينا أفضل من كل الشهور... كيف لا وفيك أفضل الليالي التي ينتظرها الملايين من البشر ... كيف لا وفيك تعلمنا حلاوة الصبر ... كيف لا وفي أيامك كان النصر والفلاح... كيف لا وفيك الدعوات تستجاب... كيف لا يا أعذب الشهور عندنا... كيف لا واسمك مذكور في كتاب ربنا.

أقبل رمضان وقد شغفت قلوبنا للقائه... أقبل يحمل معه بشائر الخير والمسرات... أقبل يحمل معه نسائم النصر والتمكين.. أقبل الموسم العظيم للخير ... أقبل من تُعتقُ فيه الرقاب وتُغفرُ فيه الذنوب.

أتى شهر الرحمات والبركات والحسنات... أتى شهر القرآن والغفران... أتى شهر القيام والاصطفاف في محاريب التهجد والتراويح ... أتى شهر المجد والتاريخ، شهر إعلان التوحيد الخالص لله ... شهر تحطيم الأصنام وإزالتها في بيت الله الحرام وعلى يد رسول الأنام صلى الله عليه وصحبه الكرام...... أتى شهر الجِدُ والتشمير للنفوس الأبية.

أهلاً بشهرٍ تصفو فيه النفوس وتتهذب .. أهلاً بشهر الصدقة فيه للفقراء تتدفق ... أهلاً بشهر الموسم والمغنم العظيم ... أهلاً بشهرٍ منزلته عند الله عظيمة.

علينا أن نكون في غاية الاستعداد لاستقباله فهو ضيف عزيز ومقامه غال... علينا أن نكون جادين في ضيافته فمن حق الضيف أن يُكرَم غاية الإكرام... علينا أن نستغل ثوانيه قبل دقائقه... علينا ألا نندم على انقضاء أيامه ونحن في غفلة عنها.

إنها أجمل الفرص أن نعيش حتى نُدرك أيامه ولياليه... فكم من محرومٍ قضى نحبه قبل قدومه ولم يُمهل له القدر في التمتع بحسناته والتزود منها.

يا من أنعم الله عليه ومد في عمره وجعله يدرك هذا الشهر العظيم، تذكر كم غيب الموت من صاحب، ووارى الثرى من حبيب... تذكر أنك لا زلت على قيد الحياة فأعط نفسك فرصة للتزود من الطاعات، والتقرب إلى الله بالعمل الصالح في هذا الشهر الفضيل.

يا أُخي... تذكر أن رأس مالك هو عمرك فلا تذهب ساعاته منك سدى، واحرص على ما ينفعك يوم غد.

أخي الحبيب إن صوم رمضان يُنشئ ملكة التقوى في قلوب الصائمين، وإن إحياء شهر الصوم بالقرآن يُنشىء نور الهداية في القلوب.

اللهم أعنا على الصيام والقيام كما تحب يا خالق الأرض والسماء.