رؤية السعودية 2030
في قلب هذا التحول تكمن رؤية السعودية 2030، وهي الخطة الطموحة التي وضعتها المملكة لتنويع الاقتصاد. وترسم الإحصاءات التي تم تبادلها في دافوس صورة واعدة للنجاح، إذ تشكل الأنشطة غير النفطية الآن 52 % من الناتج المحلي الإجمالي السعودي، وهو ما يمثل تحولا تاريخيا في اقتصاد تهيمن عليه تقليديا عائدات الهيدروكربون. ومع توقعات بنمو 6.2 % في القطاعات غير النفطية بحلول عام 2026، تثبت البلاد أن تنويع اقتصادها ليس مجرد طموح، بل أصبح حقيقة واقعة.
التوازن الدبلوماسي
إن الجانب الأكثر لفتا للانتباه في التوازن الدبلوماسي الذي تتبناه المملكة هو قدرتها على الإبحار بحذر في ديناميكيات القوة العالمية المتزايدة التعقيد. وقال وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم: «نريد أن نكون في المنتصف، وينبغي أن تظل شراكاتنا قوية مع جميع أصحاب المصلحة». وقد أسفر هذا الموقف الدبلوماسي عن نتائج ملموسة، حيث تستضيف الرياض محادثات رفيعة المستوى بين مسؤولين أمريكيين وروس بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، وهو التطور الذي يبرز الدور الناشئ للمملكة كوسيط دبلوماسي عالمي.
وتدعم الأرقام هذا التموضع الإستراتيجي، فالاستثمارات السعودية البالغة 770 مليار دولار في الولايات المتحدة، مع إمكانية التوسع إلى تريليون دولار، تُظهر أن المملكة لا تتخلى عن شراكاتها الغربية التقليدية. مع ذلك، فإن هذا الالتزام تجاه الولايات المتحدة لا يأتي على حساب علاقات أخرى، فالمملكة تشير بوضوح إلى أنها تنوي الحفاظ على علاقات مثمرة مع جميع القوى الكبرى.
إن السياق الجيوسياسي الأوسع يجعل هذه اللحظة ذات أهمية خاصة، فوفقا لمؤشر التعاون العالمي 2025، الذي قدمته شركة «ماكينزي آند كومباني» في دافوس، فإن التعاون الدولي وصل إلى مرحلة الركود منذ عام 2020. وكما أشار بوب ستيرنفلز، الشريك الإداري العالمي لشركة ماكينزي: «مؤشرات السلام والأمن عند أسوأ مستوياتها منذ الحرب الباردة». وعلى هذه الخلفية، يكتسب ظهور المملكة العربية السعودية كوسيط سلام محتمل أهمية إضافية.
التحول في مجال الطاقة
قد كشف النقاش حول التحول في مجال الطاقة في دافوس عن بُعد آخر لتطور المملكة العربية السعودية. وكما أشار الرئيس التنفيذي لشركة «بلاك روك»، لاري فينك: «ستحتاج مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة وحدها إلى 300 جيجاوات من الطاقة في غضون 5 سنوات، أي 6 أضعاف المستويات الحالية». ويضع هذا التوقع السعودية في وضع فريد كقوة تقليدية في مجال الطاقة، وداعم محتمل لثورة الذكاء الاصطناعي.
في الوقت نفسه، ومع تنويع البلاد مصادرها بعيدًا عن الوقود الأحفوري، يمكن للمملكة أن تضع نفسها في المشهد العالمي لتمويل المناخ. وكشف المنتدى أن 10 % فقط من التمويل المطلوب لالتزامات صافي الانبعاثات الصفرية تم تأمينه عالميًا. والأمر الأكثر إثارة للقلق، كما أشار بوب ستيرنفيلز: «واجهت صناعة التأمين تكاليف بقيمة 135 مليار دولار بسبب الكوارث الطبيعية في عام 2024 وحده، وهو أعلى مستوى على الإطلاق».
وكما أظهرت المناقشات في الاجتماع السنوي 2025، فإن السعودية لم تعد تتفاعل مع الاتجاهات العالمية فحسب، بل أصبحت تشكلها بنشاط.
التوازن السياسي والطموحات الاقتصادية والتحديات
- يتمحور التحول السعودي حول ثلاثة خطوط: الاقتصادية والدبلوماسية والتحول في مجال الطاقة.
- تُظهِر المحادثات بشأن أوكرانيا، مع وساطة المملكة، التوازن الدقيق الذي يتعين على البلاد الحفاظ عليه في ظل واقع جيوسياسي جديد معقد.
- إذا تمكنت البلاد من التغلب على التحديات المقبلة، فإن تحولها قد يتيح دورا ديناميكيا جديدا لمنطقة الشرق الأوسط.