لي قصة مضحكة بعض الشيء مع أحد مدربيّ الحياة (اللايف كوتشات) واللون الرمادي. حدثت هذه القصة قبل ثلاث سنوات ولم أكن حينها في أحسن أحوالي النفسية لأسباب غير واضحة.

أذكر أنني أنهيت دفتر ملاحظات «أبو 200 ورقة» وأنا أكتب كل ما يجول في بالي من التساؤلات والأفكار التي زاد وجعي وأنا أراها تنتحب بين طيات خطي الرديء الذي لم يكن هو الآخر أحسن مني حالًا.

كما أذكر أنني شاهدت عشرات مقاطع اليوتيوب التعليمية لشرح طريقة التنفس الصحيحة والعميقة. ثم عكفت بعدها على علاج الشدّ العضلي الذي أصابني وأنا أتوسل إلى السيدة «يوغا» بأن تعيدني إلى سابق عهدي. ثم أكرمت أحد مواقع التسوق الشهيرة بمبلغ سخي دفعته لشراء الكثير من المكملات والفيتامينات التي لو تركتها لغيري ليشريها وينتفع بها لكان أنبل أفعالي حينها.


ضاقت عليّ الأرض بما رحبت ولا أنكر بأن ملابسي أيضًا ضاقت عليّ بعد أن اعتزلت البشر واكتفيت بصحبة السيد «كندر» صباحاً والسيدة «شاورما» مساءً. حتى أتى اليوم الذي وقعت فيه عيني على تغريدةٍ «دقّ لها قلبي» وشعرت وكأنها تلخص الحالة التي كنت أعيشها آنذاك.. وكان لسان حالي كما عبداللطيف التلباني وهو يشدو:

«أيه الحلاوة دي..أيه الطعامة دي..أنا قلبي عندو حق لمّا شافك ودق».

تفحصت ملف المغرد فإذا به «لايف كوتش» وقد فتح ذراعيه بكل حبّ لمساعدة التائهين المجروحين أمثالي ومنح وقته الثمين مقابل 500 ريال للساعة. كنت قد استلمت مرتبي قبلها بأيام قلائل وتزامن ذلك مع رفعي للراية البيضاء واستنفادي لكل الطرق التي ظننتها ستخرجني من تلك الحالة «اللي ماتتسمّاش». فتوكلت على الله وكتب الله لهذا الـ «اللايف كوتش» على يدي رزقًا طيبًا مباركًا لم تسبقه أو تلحقه دعوة مظلوم أو مناشدات في الرسائل الخاصة بأن أحظى بجلسة استشارة وأن تكون في ذمة أخواتنا تابي وتمارا.

حان الوقت وبدأنا الساعة الذهبية.. وكما قال عادل إمام «الساعة بخمسة جنيه والحسابة بتحسب».. – ياريتها خمسة جنيه ياعادل يا إمام.

وبدأ «الكوتش» يسألني بعض الأسئلة العامة عن طبيعة عملي وحياتي وروتيني اليومي. توقعت أن تتشعب أسئلته أكثر لعلي أضع يدي على موضع الألم أي «علتي» النفسية. لم نمكث طويلًا حتى وجدتنا نلعب لعبة الألوان كما أحب أن أسميها وأنا أسرد هذه القصة أما حينها فقد كانت إحدى طرقه العلاجية في الجلسة. ومن هنا تبدأ قصتي مع اللون الرمادي.

سألني أول مرة عن اللون الذي يشبه مشاعري تلك الفترة، فجاوبته في الحال وبدون تردد

«اللون الرمادي».

اقترح عليّ بأن آخذ وقتي ثانيةً للتفكير ثم الإجابة، لكني أصررت ألا أخذل اللون الرمادي. ثم سألني سؤالًا آخر للمرة الثانية.. بعد أن طلب مني بأن أتنفس عميقًا ثلاث مرات..

هو: أوك يا هدى.. الآن قولي لي إيش أكثر شعور تشعرين به مؤخرًا؟

أنا: الغضب

هو: طيب لو طلبت منك أن تختاري لون لهذا الشعور إيش راح يكون؟

أنا مرة أخرى وبدون تردد..

- «رمادي»

هو: امممم.. أوك

طال الصمت قليلًا.. ثم قال لي لنجرب مرة أخرى يا هدى.. ـــ أذكر أنني كنت حينها أنظر إلى الساعة فإذا بأكثر من نصف الوقت قد انقضى في أسئلة عامة عن حياتي تلتها لعبة التلوين وكان لسان حالي كما أبو نورة وهو يصدح «أسابق الساعة وتسبقني الساعة... تقضي وأنا توني بأول ثوانيها»ــ

سألني للمرة الثالثة..

هو: أوك يا هدى لو سألتك ايش الشعور اللي تفتقدينه وتتمنين لو يعود لك؟

أنا: شعور التلذذ بأصغر تفاصيل يومي..

هو: ممتاز.. خلينا نحاول نلوّن هذا الشعور بلون معين.. إيش ممكن يكون؟

أنا: رمادي..

هو: كمان رمادي!!!

أما هذه المرة فقد كان الرمادي زلة لسان آثرت ألا أصححها لأنها كانت «خاربة خاربة». طال الصمت أكثر من المرة السابقة. لا أعلم هل كان «اللايف كوتش» يضحك بعيدًا.. أم يبكي كثيرًا.. أما أنا فقد تنازلت عن 15 دقيقة تبقّت من الجلسة حفظًا لكرامة اللون الرمادي الذي لا يعلم «اللايف كوتش» بأنه أول لون التقطته عيني الحائرة من مفرش سريري حين باغتني بأول سؤال في لعبة «الألوان العلاجية».

ذلك الـ«اللايف كوتش» غفر الله له، لم يحاكِ المعالجين النفسيين و«يتبحبح على الآخر» في طرح الأسئلة العميقة المتشعبة.. ولم يقم بالدور المنوط به وهو الـ«كوتشنق» أي التوجيه.. إنما اكتفى بمحاولة تلوين مشاعري التي لا أعلم كيف كانت ستحل مشكلتي النفسية آنذاك.

من المفارقات المضحكة التي جعلتني أكتب هذه القصة هي أنني مؤخرًا خضت نقاشًا عميقًا مع أحد المعالجين النفسيين-الذي بالمناسبة ساعدني كثيرًا - ووجدت نفسي أكرر عبارات مثل: «أشعر بأن مشاعري تجاه الحياة رمادية باهتة».. أشعر بأني أقف في منطقة «رمادية» في علاقاتي مع الآخرين. على كل حال.. ستكون جلستي القادمة مع أحد معالجيّ الطاقة لفكّ تعلقي باللون الرمادي.