في تلك الدقائق من ذلك الوقت قد تُكَوِنْ مع أحدهم صداقة متينة، وقد تحصل المواقف الطريفة والمضحكة فترتسم الابتسامة على وجوه ركاب الرحلة العابرين فتغمرها بالبهجة، فقد تكون منهمكًا بالتفكير بأمر ما يقلقك وفي لحظة من اللحظات تتبدل مشاعر السلبية وتتبدد بسبب تصرف عفوي طفولي من أحد الأطفال، أو في لحظة قد يفقد فيها أحدهم توازنه ويكاد يسقط فيتم إسناده ومساعدته من الركاب من حوله وهم يبتسمون جميعًا وربما غرقوا في الضحك من طرافة الموقف، وفي تلك الرحلات العابرة قد تتهيء لك الكثير من الفرص للعطاء وبذل المعروف كمساعدة أحدهم بحمل أمتعته أو منح مقعد جلوسك لمريض أو لكبير في السن، أو حين تكون بلسمًا شافيًا لأحدهم حينما تحدثه لدقائق معدودة بكلمات عابرة من قلبك لتنفذ إلى قلبه فتكون سببًا في تغيير تفكيره للأفضل أو مجرى حياته بأكملها.
ولأن العابرين في تلك الرحلات ملزمون بالتجمع على متنها في مكان محدد وزمن معين معدود فحينها تصبح لغة العيون والجسد هي سيدة الموقف، ولربما تصبح خبيرًا في فهمهما مع مرور الوقت، فطريقة وقوف الركاب وجلوسهم لها دلالاتها التي تعكس حالتهم النفسية والشعورية، وكذلك من خلال لغة العيون ستتكشف لك المشاعر التي تتلبسهم في تلك اللحظات العابرة من نظرات الشوق والحب والدهشة والحيرة.. إلخ كلها تتمثل أمامك في لحظات تجعل فرصة التأمل لديك أكبر مما لو كانوا في حالة حركة وتنقل على أقدامهم وعلى سياراتهم منفردين.
ثقافة القطارات مؤثرة في تعزيز القيم وتعزيز التغيير لبعض السلوكيات والمفاهيم المجتمعية، ولها دور في تهذيب النفوس والتعويد على الصبر، وتقبل الثقافات المختلفة بكل تفاصيلها الجغرافية والدينية والفكرية.. إلخ، والتقارب مع الآخر الذي لا يشبهنا، ومن خلالها تتداعى معاني الشعور ومظاهر الانتماء الإنساني وروح الجماعة، فالبعض من خلال رحلة القطارات العابرة تنكسر حدة تعصبه لبعض معتقداته، والبعض يتعلم التعايش والتسامح ولين الجانب، وهناك من يسترجع شيئًا من إنسانيته التي يكاد يفقدها حين تذوب في معترك الحياة وضغوطها في ميدان الرأسمالية المتوحشة التي تعزز الأنانية والفردانية الذاتية، ولا ننسى أن القطارات داخل المدن تحديدًا تحفز على ثقافة المشي من وإلى المحطات وبداخلها، وهذه الثقافة كذلك تُعظم من قيمة الوقت فتضبط من لم يعتد على الانضباط في وقته.
قطار الرياض مشروع ثقافي مجتمعي تاريخي كبير غير وجه الرياض ومستقبلها، وهو أحد أكبر مشاريع النقل والبنية التحتية عالميًا، ويعد الأضخم على مستوى الشرق الأوسط وأطول قطار ذاتي القيادة عالميًا. وجدير بالذكر، أن التقارير الإحصائية الأخيرة عن قطار الرياض تشير لوصول عدد مستخدميه خلال 74 يومًا فقط إلى 18 مليون مستخدم منذ بداية تشغيله في 1 ديسمبر 2024 وحتى 13 فبراير 2025.. وكل عام وبلدي المملكة العربية السعودية في عز ورخاء ونماء وأمان، وكل عام وأنتم بخير.