يبحث المريض عن العلاج، فيجد الأبواب مغلقة بحجج واهية، يُرفض دون مبرر، وأحيانًا يُهان ويُدفع خارج العيادة وكأن وجوده غير مرحب به. ليس هذا خللًا إداريًا عابرًا، بل منظومة متكاملة من التلاعب والتغطية الداخلية، حيث يعزز الموظفون بعضهم البعض في هذه السلوكيات، ويطمسون الشكاوى، ويستغلون الثغرات القانونية للإفلات من المساءلة. لا يكفي أن يقدم المريض شكوى لدى وزارة الصحة، فهناك عراقيل قانونية تمنعها حتى من الحصول على تسجيلات الكاميرات، ما يجعل الحقيقة في مهب الريح . وهكذا، يُترك المريض وحيدًا أمام حلقة مغلقة من التعسف البيروقراطي، حيث تتلاشى حقوقه في زوايا الإهمال.
التمييز في بعض المنشآت الصحية لم يعد مجرد استثناء، بل يبدو أحيانًا وكأنه قاعدة غير مكتوبة، حيث يتم حرمان بعض المرضى من الخدمات دون أسباب واضحة، وفي حالات أخرى، يتم التحجج بعدم توفر العلاج أو وجود موانع طبية مختلقة، بينما تتكشف الحقيقة لاحقًا بأن الرفض لم يكن سوى قرارًا اعتباطيًا مدعومًا بمحسوبيات داخلية. ليست المشكلة فقط في عدم تقديم الخدمة، بل في إفلات المسؤولين من أي محاسبة حقيقية. هناك دائمًا غطاء إداري يحمي المخالفين، ويوجه اللوم إلى الضحية، وكأن المشكلة تكمن في المريض نفسه، لا في النظام المتواطئ الذي يسمح لهذه التجاوزات بالاستمرار. إذا لم يكن هناك مشهد درامي لمشاجرة أو حادثة جسيمة، فإن الشكوى ستظل مجرد ورقة أخرى في درج مهمل، ليبقى المريض يدور في متاهة البيروقراطية، يبحث عن حقه في العلاج وسط منظومة مصممة أساسًا لتطويقه بدلاً من مساعدته.
هذا الفراغ التنظيمي يسمح للعاملين في المنشآت الصحية الخاصة باستغلال هذه الثغرات والاستمرار في ممارساتهم دون خوف من العقوبات، حيث يتم طمس الأدلة بسهولة أو التحايل على النظام بحجج إدارية وقانونية واهية. وما يزيد الطين بلة أن كثيرًا من هذه المنشآت تدير عملياتها من منطلق تجاري بحت، حيث يتحول المريض من كائن بشري بحاجة إلى رعاية، إلى مجرد رقم في معادلة الأرباح والخسائر.
الحل ليس بيد المريض وحده، فالمنظومة الرقابية بحاجة إلى تحديث جذري، يمنح الجهات المختصة سلطة كاملة في فرض رقابة فعلية وشفافة، وعدم الاكتفاء بإجراءات شكلية لا تؤدي إلى تغيير حقيقي. يجب أن يكون هناك تنسيق مباشر بين وزارة الصحة والجهات الأمنية، بحيث لا يُترك المجال للمنشآت الصحية للتحايل أو المماطلة في الاستجابة للشكاوى، كما ينبغي منح المرضى القدرة على توثيق تجاربهم دون تهديد أو خوف من العواقب.
استمرار الفساد الإداري والتعسف داخل بعض المنشآت الصحية يستدعي تحركًا جادًا من الجهات المعنية لضمان حصول كل مريض على حقوقه كاملة. بناء نظام صحي شفاف يتطلب عدم التساهل مع أي نوع من الفساد أو التمييز، مع فرض إجراءات رقابية صارمة لضمان التزام جميع المنشآت الصحية بتقديم الخدمات بأعلى المعايير الممكنة.