تزاحمت فرحتنا بانطلاق مترو الرياض، وتزاحم ركاب عربات المترو بأخذ مقاطع فيديو مختلفة حول تجربتهم. ولأننا لا نعيش بمعزل عن العالم الرقمي، بل وفي أحيان كثيرة نحن رواد هذا العالم وأكبر المشاركين فيه، فوجدت هذه الفيديوهات في جميع المنصات الرقمية. وما بين محتوى ممتع ومحتوى مبهج وابتكاري، هناك -ولا بد - محتوى يغطي الجانب الآخر. شيء يخدش العين وآخر يتعارض مع الحياة المدنية والآداب العامة. ولكن هناك محتوى ومواقف يتم تغطيتها، تقبع في المنتصف، لأن الرأي يسيطر عليها ويحكمها. ولأن الإيديولوجيا تتفق مع بعضها وتختلف مع بعضها الآخر وجب التنويه ووضع الضوء بشكل مباشر عليها.

انتشر مقطع وربما أكثر وفي منصات متعددة كلها تصب في فحوى واحدة، وهو رجال وشباب يجلسون على كراسي عربات المترو في ظل وجود نساء يقفون. هذا المنظر لم يعجب البعض واستثار البعض الآخر. وأشعل فتيل الجدل في نقاشات متسعة ما بين حديث مجالس وحديث افتراضي.

اتفهم منطلقات أحاديثهم تمامًا فمعاملة المرأة في مجتمع قيمي مثل المجتمع العربي السعودي تعتمد على المبادئ والمعتقدات التي يشكلها هذا المجتمع. فالمجتمعات القيمية تعطي أهمية كبيرة للعدل والاحترام وتضع قواعد تعامل تحفظ كرامة المرأة وتعزز مشاركتها في بناء المجتمع. فأسس معاملة المرأة في مجتمع قيمي تقوم على الاحترام والمساواة، فهل مشهد المترو ينطبق عليه هذا الكلام؟ لا حاجة للجواب الآن.


نستمر في ذكر النقاط الأخرى. ثم تأتي العدالة في الحقوق والواجبات هل في موقف المترو، عدالة لو أننا طلبنا من الشباب القيام من جلوسهم وجعل البنات يجلسون بدلًا منهم، رغم أنهم كلهم في عمر واحد وبنشاطهم!

أتفهم تمامًا أن هناك آداب عامة لوسائل النقل العام لا تغيب عن الجاهل، ومن ضمن الآداب المتعارف عليها ألا نجلس وهناك كبير سن، أو مريض، أو حامل، أو طفل. ماذا عمن هم خارج هذا القائمة؟ هل الرجل الكبير الذي تجاوز الخميس مثلا سوف يمنع من الجلوس لأن هناك فتاة في بداية العشرينيات وفي عز شبابها واقفة؟ فهي في هذه المعادلة المجتمعية لها حق أكثر منه. بل وسيتهم لو جلس بأنه عديم مروءة كما ظهرت هذه التعليقات من البعض، تعليقًا على مقاطع الفيديو التي أظهرت الشبان المساكين، فقط لأنهم كانوا جالسين.

أولويات النساء أصبحت اليوم جدلية في ظل تطور الحياة المدنية والمساواة. فلا انتظار بنك، ولا اصطفاف مقهى، سيعطي لهن الأولوية، فقط لأنهن نساءّ! ستكثر النقاشات قريبًا فلنستعد.