عادة يلجأ الأشخاص لجلسات تدريب الحياة لاتخاذ قرار بشأن تخصص أو مهنة ما، أو تحسين العلاقة مع أفراد الأسرة، أو ربما لتحسين ظروف العمل، وأحيانًا لرفع الثقة بالنفس، ومن أغرب المهام أن يوجد مدرب حياة متخصص بالتخسيس لعله يساعد العميل ويحفزه على الالتزام بالحمية! تحفيز مدفوع القيمة لا بأس إن أثمر، ولكن بالفعل هل استطاعت هذه الجلسات تغيير حياة الأشخاص إلى الأفضل؟!
مهنة مدرب حياة أو لايف كوتش، لم نكن نسمع بها من قبل بهذا القدر، رغم أن مفهوم «مدرب الحياة» عُرف في ثمانينيات القرن الماضي، ليصبح شكلًا معتمدًا من أشكال العلاج بالكلام. وعرف مصطلح المدرب (coach) الذي نستخدمه اليوم من قبل، فقد نشأ في جامعة أكسفورد الإنجليزية عام 1830م، حيث كانت هذه الكلمة في ذلك الوقت، وفقًا لقاموس علم أصول الكلمات، مصطلحًا عاميًا للمعلم الذي «ينقل» الطالب خلال الامتحان (وهي استعارة من معنى العربة الناقلة)، أي أنه مدرس خاص يساعد الطالب على النجاح في الامتحان. ومنذ ثمانينيات القرن الماضي انتشرت كتب التنمية البشرية وكثر مدربوها، وأغلب هذه الكتب لا ترتكز على أسس علمية وأكاديمية، كتب تتحدث عن السعادة والنجاح والثراء والتغلب على الصعوبات والتحفيز الذاتي وفن الإقناع، كانت تقدم مادتها كقوانين، اقتبست منها اسمائها، فمثلا تجد «القانون العكسي» أو «قانون الجذب»، كما أنها تُغالي في التعريف بأهمية تلك القوانين كأنها قوانين فيزيائية ثابتة، فتصبح أكثر من مجرد فكرة جيدة ممكن تجربتها. وقد راجت هذه الكتب بصورة هائلة، وبازدياد مدربي التنمية البشرية أو ما أصبح يطلق عليهم لاحقاً باللايف كوتش، ازدادت بضاعتهم التي يروجون لها ودخلوا منطقة الطب النفسي، وانتشر في عالمنا العربي، ومارسه كثير من الناس، حتى أولئك الذين فشلوا في دراستهم الجامعية، اتجهوا إلى دبلومات مدربي الحياة أونلاين، وحضروا ورشات عمل، ليصلحوا حياة الناس، يقنعونهم، ويكتشفون قدراتهم، رغم أنهم لم يكتشفوا انفسهم من قبل! المشكلة أن مهنة اللايف كوتش ليست حصرًا على أحد أو تخصص ما، يتكلم فيه الجميع، رغم جانبه النفسي والطبي أحيانًا ، كيف يعرف أن العميل لديه بوادر اكتئاب، أو مظاهر وسواس قهري، لذلك يعاني في علاقاته، أو ربما أصبح كثير التردد. هذا التخصص ليست له شروط معينة أو رقابة، ولا هيئة وطنية تنظمه، هناك أشخاص يطلقون على أنفسهم لقب «كوتشينج»، وقد يكونوا حاصلين على شهادات غير معتمدة أو من هيئات غير معترف بها، ومن الممكن أن تكون من جهة معتمدة، لكنها غير كافية لممارسة هذه المهنة، لأن عدد ساعات الدراسة غير كافية للممارسة. وعدد لا يُستهان به بمجرد حصوله على الشهادة يبدأ بالتسويق لنفسه من خلال حساباته على منصات التواصل الاجتماعي، ليصطاد أكبر عدد من «الحيارى والمضطرين»، رغم ارتفاع أسعار جلساتهم فإن هناك إقبال عليهم، وكما يقول المثل «الغرقان يتعلق بقشة»، فلربما كان هذا المدرب ونصائحه قشة النجاة!
لكن ما المؤهلات التي تسمح لشخص ما بتدريب الناس على أن تكون حياتهم في العموم أفضل؟ التخصص في «طب نمط الحياة» شيء مختلف، هم أطباء وهذا تخصص دقيق، يهتم بالتثقيف والتحفيز قائم على أسس طبية، الهدف منه تحسين صحة الأفراد ورفاهيتهم من خلال تطبيق الركائز الست لطب نمط الحياة (التغذية، والنشاط البدني المنتظم، والنوم المنظم، وإدارة الإجهاد، وتجنب المواد الخطرة، والتواصل الاجتماعي الإيجابي) للحفاظ على الصحة.
ليس بالضرورة أن يكون الطبيب وحده هو المعني بجودة حياة الناس، المختص النفسي والاجتماعي له دور، المستشار الأسري المؤهل ممكن أن يساعد، الصديق الحقيقي قد يقوم بدور مدرب الحياة، يسمعك، يفهمك، يحتويك، ويوجّهك، بلا مقابل، كلنا بحاجة إلى صديق حكيم وحقيقي.