في بداية كل أسبوع، عندما يبدأ الموظفون يومهم غارقين في قوائم المهام، أحرص على أن يكون لي معهم وقت خاص، ليس لمراقبة إنتاجيتهم، بل لفهم رحلتهم في العمل، أجلس مع كل موظف ساعة واحدة أسبوعيًا، ساعة ليست للمراجعة التقليدية، بل للحوار. ابدأها بسؤال بسيط لكنه جوهري: «ما الذي يشغلك اليوم؟ ما هو العائق الذي لو أزلناه لجعلك تعمل بطاقة أكبر؟». لا أبحث عن إجابات شكلية، بل عن احتياجات حقيقية. قد تكون حاجة إلى تدريب إضافي، موارد أكثر، أو حتى مساحة لاتخاذ قرارات مستقلة. في هذه الجلسات، لا أتحدث أكثر مما أستمع، لأنني أدرك أن أفضل القادة هم أولئك الذين يصغون قبل أن يوجّهوا.
لكن العمل الجماعي لا يُبنى فقط على الاجتماعات الفردية، فهناك رؤية كبرى تحتاج إلى مشاركة الجميع. ولهذا، كل أسبوعين، يجتمع فريق الإدارة في لقاء مختلف، ليس لتكرار ما كُتب في التقارير، بل لخلق نقاش إستراتيجي حقيقي. في هذه الاجتماعات، يكون السؤال المركزي: «إلى أين نتجه؟ وكيف نجعل الطريق أكثر وضوحًا للجميع؟». لا مكان للروتين هنا، بل لحوار مفتوح يُشرك الجميع في صنع القرارات، لأن المنظمة التي تشعر فرقها بأنها جزء من الرؤية، هي المنظمة التي تحقق نجاحًا يتجاوز التوقعات.
إلى جانب ذلك، أؤمن أن المعرفة لا تُنقل بالتلقين، بل بالتفاعل. لذلك، أنشأنا «القهوة المعرفية»، وهي مساحة غير رسمية يجتمع فيها الفريق كل أسبوعين للحديث عن كتاب جديد، أو فكرة مُلهمة. لا يهم نوع الكتاب بقدر ما يهم كيف نترجم الأفكار إلى واقع عملي. كل موظف يلخص ما قرأه، يشارك برؤيته، يناقش كيف يمكن تطبيق ما تعلمه في عمله اليومي. في هذه اللحظات، لا أكون مديرًا، بل زميلًا يتعلم كما يتعلم الآخرون، لأن القيادة ليست معرفة جامدة، بل رحلة تعلم مستمرة.
ورغم كل هذه اللقاءات المهنية، لا يمكن للمنظمة أن تزدهر دون أن يشعر الموظفون بأنهم أكثر من مجرد أفراد يؤدون مهامهم اليومية. لهذا، أحرص على أن يكون هناك لقاء ترفيهي شهري، بعيدًا عن قاعات الاجتماعات وأعباء العمل. لقاء يجمع الفريق كعائلة، يتشاركون الضحكات، يتحدثون عن حياتهم خارج جدران المكتب، في هذه الأوقات، تتشكل روابط لا تصنعها أي خطة عمل، بل تصنعها اللحظات الصادقة التي تجعل العمل أكثر إنسانية.
ولا يقتصر الأمر على الاجتماعات، فالاهتمام يمتد إلى التفاصيل التي تصنع الفرق، عندما ينجز أحدهم مشروعًا مميزًا، لا أكتفي بشكره في رسالة داخلية، بل أحرص على أن يعرف الجميع عن إنجازه. عندما يمر أحدهم بمناسبة سعيدة، أكون أول المهنئين، وعندما يواجه ظرفًا صعبًا، أكون أول الداعمين. لأن المدير الحقيقي لا يُقاس بمدى قوة سلطته، بل بمدى قربه من فريقه.
لكن أعظم ما يمكن أن يقدمه المدير لفريقه هو التمكين. لا شيء يرفع مستوى الأداء أكثر من شعور الموظف بأنه ينمو ويتطور، وأن هناك من يؤمن به ويدعمه. لهذا، لا أتردد في دفع الموظفين لخوض تجارب جديدة، التسجيل في دورات تدريبية، استكمال دراستهم، أو حتى منحهم تحديات أكبر لإثبات أنفسهم. لأن المنظمة التي تنجح ليست تلك التي تكدّس المهام، بل تلك التي تصنع قادة جددًا.
وفي النهاية، القيادة ليست منصبًا، بل تأثير. أن تكون مديرًا يعني أن تخلق بيئة يُريد الناس أن يكونوا جزءًا منها، حيث يشعرون أنهم مهمون، مقدرون، وأنهم ليسوا مجرد منفذي مهام، بل شركاء في صناعة النجاح. فما الذي يمنع أي مدير من أن يبدأ هذه الرحلة اليوم؟