بعد رحلة طويلة من العطاء والألم والمرض رحلت والدتي " فريجة" عن عالمنا وانتقلت إلى رحمة الله، رحلت الأم الحنون التي أعطت، وبذلت كل حياتها وحرمت نفسها من كل شي من أجل أبنائها، وكانت الأم والأب بعد فقد والدي رحمه الله، رحلت بعد ما زرعت في حياتنا كل أنواع الحب والرحمة والشفقة لكل مخلوقات الله. علمتنا كيف نعطف على الأطفال ونقدم لهم الحب ،علمتنا كيف نحترم من هو أكبر منا سنا، علمتنا كيف يكون التعامل الراقي بين البشر. كانت تمد يدها لكل من يحتاج إليها، لا تهمها الدنيا كل ما يهمها هو أن تسعد غيرها ، حتى الحيوانات كانت ترفق بهم وتطعمهم وتحزن لحالهم.. كانت رمزًا للأمومة الصادقة، أحبها الجميع البعيد والقريب، لأنها كانت تتعامل مع الجميع وكأنهم أبناء لها. بدأت رحلتها الشاقة من حي معشي بمدينة الطائف وقاست كل أنواع الحرمان؛ ولكنها كافحت وواجهت الحياة وقسوتها بقلب صابر ومؤمن وراجيا لما عند الله، كانت تحرم نفسها من أجل أن تطعم أطفالها ، تعيش في مجتمع مترابط ويساند بعضه البعض في ذلك الحي الجميل بأهله وبطيبة قلوبهم. كان الجميع من حولها يساعدونها على تخطي متاعب الحياة. في ذلك الوقت رزقها الله بجيران طيبين أسهموا في إسنادها وتحملوا بعضا من معاناتها.. رحلت والدتي وبكتها القلوب قبل العيون كانت أما من نوع آخر، تحب الجميع ولا تعرف الحقد ولا الكراهية، عاشت وقدمت كل ما تستطيع من أجل أبنائها، وأهملت نفسها من أجل أن توصلهم إلى أعلى الرتب، وتحقق لها ذلك الحلم بفضل الله وعاشت سعيدة وهي ترى ثمار كفاحها وتعبها يتجسد أمام عينيها واقعًا تعيشه في تفوق أبنائها الذين تقلدوا أفضل المناصب وحصلوا على أعلى الشهادات، والذين عاشوا بدورهم إلى جانبها ومنحوها كل مشاعر الحب الصادقة لآخر لحظة في حياتها رحمها الله.

رحلت وتركت لنا فراغًا كبيرًا في عالمنا، رحلت ونحن لا نزال في حاجتها، بعد ما زرعت في داخلنا ذلك الحب العظيم لها. رحلت ولاتزال دموعنا تذرف في كل لحظة تمر فيها ذكراها العطرة، رحلت وتركت لنا سيرة طيبة وأعمالا خالدة، وسلمتنا راية العطاء والبذل، لتستمر مسيرتها الخالدة، ويستمر أبناؤها في الطريق الذي رسمته لهم، طريق الخير وحب الناس والعطاء، وصفاء القلب ونقاء المشاعر ورقة الإحساس وصدق المشاعر.. رحلت والدتي ولا يزال الجميع يترحم عليها، رحلت والدتي رحمها الله، وأسكنها فسيح جناته وبقيت سيرتها وعطاؤها قصص تروى لكل الأجيال القادمة، لتحكي لهم عن تلك الأم الحانية العظيمة التي اختارت طريق الحب والعطاء عنوانًا لحياتها، فإلى رحمة الله يا أمي الغالية.

وقفة:


الأم العظيمة لا تموت في قلوب من أحبوها ستبقى تعيش معنا.