لكن الأغرب من ذلك هو ظاهرة بعض أبناء التجار ورجال الأعمال الذين يتبنون هذا اللقب، مصحوبًا بقصص عن «البداية من القاع» والمعاناة، رغم أن الجميع يدرك أن جزءًا كبيرًا من نجاحاتهم يعود إلى دعم العائلة، سواء بشكل مباشر من خلال الموارد أو بشكل غير مباشر عبر العلاقات والتسهيلات التي يحصلون عليها بفضل أسمائهم العائلية. الحقيقة التاريخية التي لا تحتاج إلى إخفاء أو تغيير هي أن أبناء التجار عادة ما يصبحون تجارًا، وهذه سنة الحياة الاجتماعية والاقتصادية منذ قرون، فلا عيب في أن يكون النجاح مدعومًا بالإرث العائلي، طالما يتم الاعتراف بذلك بشفافية.
الذي يدفعني للكتابة اليوم ليس مجرد هذه الظاهرة، بل ملاحظة مؤسفة تتعلق ببعض الجيل الجديد من أبناء العائلات التجارية، فقد كنت أعتقد أن هذا الجيل الذي درس في أفضل الجامعات العالمية وتلقى أفضل المهارات والخبرات سيأتي بتفكير مختلف يتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي تعتمد على الإبداع والابتكار والتطور. ولكن مع الأسف، ما يحدث هو تغيّر في المظهر دون الجوهر.
فبدلًا من مكاتب تقليدية «صندقة» كما اعتاد الجيل القديم من تجار العقار، نجد مكاتب فاخرة مزودة بأحدث التقنيات وأسماء براقة، ولكن عندما تتعمق في طريقة التفكير والأفكار المطروحة، تجد أنها نسخة مكررة من الماضي. ونفس الأساليب التقليدية التي تعتمد على شراء الأراضي الخام وانتظار ارتفاع الأسعار لبيعها، دون أي إضافة حقيقية للاقتصاد الوطني أو خلق فرص عمل أو قيمة مضافة.
إن الاعتماد على تجارة العقارات التقليدية يكرّس الكسل والربح السريع دون مجهود حقيقي، مما يؤثر على السيولة الموجهة للمشاريع الوطنية المهمة. وعندما تُطرح وتناقش أفكار إبداعية أو مشاريع تتماشى مع الرؤية، نجد الكثير من الجيل الجديد من بعض هذه العوائل التجارية يتردد قائلًا: «هو صحيح أن هذه مشاريع متقدمة ولها احتياج في البلد ولكن لماذا أتحمل المخاطرة وأبذل جهدًا بينما يمكنني تحقيق نفس الأرباح من تجارة الأراضي؟»
هذا الفكر يثير الحزن والأسى، فرغم التعليم المتميز الذي حصل عليه البعض في الخارج، إلا أن ذلك لم يترجم إلى إبداع حقيقي أو تغيير جذري في نمط التفكير. وكأن الهدف الوحيد من الدراسة في الجامعات المرموقة كان مجرد التفاخر الاجتماعي.
في معظم دول العالم، يقود القطاع الخاص قاطرة التغيير والتطور، متقدمًا على الحكومة بمرونته وسرعته في الاستجابة للمتغيرات. لكن في حالتنا، نجد العكس تمامًا؛ حيث تُعتبر الحكومة أكثر تطورًا وإبداعًا، وهي التي تجرّ المجتمع والقطاع الخاص نحو المستقبل.
لا يمكن لرؤية 2030 أن تتحقق دون اندماج حقيقي ودعم فعّال من الجيل الجديد في القطاع الخاص، والرؤية تعتمد على الإبداع والابتكار وليس على الأفكار التقليدية التي «عفا عليها الزمن». أتمنى أن الأمل ما زال موجودًا، ولكن هذا الأمل يحتاج إلى وعي عميق ومسؤولية من قبل هؤلاء الشباب لاستغلال إمكاناتهم وثروات عوائلهم التي آلت إليهم وتعليمهم بشكل يخدم الوطن والرؤية الطموحة.