قد يتساءل القارئ العزيز، لماذا تقول المجمع اللغوي اللساني؟ وهذا سؤال وجيه لحد كبير، الترجمة العربية لكلمة (Linguistics) يمكن أن تكون لسانيات أو لغويات، لا فرق في الحقيقة، فاللغويات هي اللسانيات بشحمها ولحمها، ولكن لأن اللغة كائن حي ويتطور فإن اللغويات القديمة تحورت وكبرت وتطورت وصارت لسانيات حديثة، فلا شيء يبقى على حال. والأهم أن اللساني الحديث يجب أن يؤمن بكروية الأرض، لذلك لم يدخر مؤسس نظرية الشوارد جهدا في التأكيد على كروية الأرض، ويقدم الأدلة العلمية الدامغة على كرويتها.
ولأن اللغويات القديمة لا تراعي مسألة الشرود الذهني، فاللسانيات الحديثة وضعت المشاكل الدماغية في الحسبان، فهناك فرع مستقل اليوم يدرس اللغة في الدماغ يطلق عليه «اللسانيات الإدراكية» ويناقش قضية شرود اللغويين التي تسببت بفقدان المعجم لكم هائل من المفردات الفائتة. فلا تستغرب لو دخلت يوما لأحد أقسام اللغة العربية في العالم العربي ووجدت طلاب اللغة العربية يشرحون دماغا بشريا ويدرسون اللغة في جمجمة إنسان. على كل حال الخليل بن أحمد متهم بالتعصب الرياضي، فتجاهله لمفردة «الجحفلة» لم يكن بداعي الشرود الذهني بل هو تجاهل مقصود ومع سبق الإصرار والترصد. الخليل يحمل ميولا نصراوية ويتعمد تجاهل أي لفظة هلالية تتضمن إسقاطا على نادي النصر. لفظة «جحفلة» وصلت إلينا من تراثنا الموثوق وقد تحققت فيها معايير وقواعد الصرف (جحفل يجحفل جحفلة)، فلماذا تركها الخليل سامحه الله، وهل كان شاردا حين تركها أو متجاهلا؟
ولأن اللغة كائن حي ويتطور، ونكاية في الخليل ومعجمه قررت الجماهير الهلالية إطلاق وصف «المعجم النصراوي» على معجم العين للفراهيدي. وأخذت الجماهير الهلالية تدرس لفظة «جحفلة» دراسة وصفية تاريخية مقارنة وفق المناهج اللسانية الحديثة وأخذوا في تقليب المفردة يمنة ويسرة حتى تأكدوا بما لا يدع مجالا للشك أن لفظة «الجحفلة» من الشوارد القطعية وأن الخليل غفر الله له يحمل ميولا نصراوية خفية جعلته يراعي مشاعر جماهير النصر عندما وضع معجمه الشهير «معجم العين».