من النظريات المثيرة للضحك التي طرحها مؤسس المجمع التطوري اللغوي اللساني الافتراضي الكروي (نسبة لكروية الأرض) نظرية الشوارد القطعية والشوارد الظنية. وسبب التسمية بالشوارد أن المؤسس لهذا المجمع اللغوي يعتقد أن الخليل الفراهيدي كان كثير الشرود حتى فاتت عليه آلاف الألفاظ المفقودة التي لم يدونها في معجمه العظيم. يبدو من وجهة كاتب المقال أن الخليل كان يمارس «الشخصنة» تجاه ألسنة الشعوب الأخرى ويتجاهل ألفاظها. ولفظة «الشخصنة» بالمناسبة لا شك لدينا أنها من الشوارد القطعية التي شرد عنها الخليل وسيبويه وصاحب لسان العرب. أصلا اللغة كائن حي يتطور، لهذا أضاف المؤسس وصف «التطوري» على مجمعه الواعد. دعونا نفشي سرا في عالم اللغويات واللسانيات: كثير من المختصين في اللسانيات يعتقدون أن الإنسان في العصور الغابرة كان بلا لغة وكان يحاكي أصوات الحيوانات والرياح والمطر والرعد في تواصله مع أقرانه البشر، كان يزمجر كالأسد ويثغي كالشاة ويرغي كالبعير ويهدر كالرعد، وبخطوات حثيثة ارتقى سلم التطور وارتقت جيناته ولغته وصارت لغة إنسانية متقدمة كما نعرفها اليوم. وحجم جمجمته تغير وتطور وأصبح ملائما للغته وأفكاره الحديثة ويسع دماغه الحديث المتطور.

قد يتساءل القارئ العزيز، لماذا تقول المجمع اللغوي اللساني؟ وهذا سؤال وجيه لحد كبير، الترجمة العربية لكلمة (Linguistics) يمكن أن تكون لسانيات أو لغويات، لا فرق في الحقيقة، فاللغويات هي اللسانيات بشحمها ولحمها، ولكن لأن اللغة كائن حي ويتطور فإن اللغويات القديمة تحورت وكبرت وتطورت وصارت لسانيات حديثة، فلا شيء يبقى على حال. والأهم أن اللساني الحديث يجب أن يؤمن بكروية الأرض، لذلك لم يدخر مؤسس نظرية الشوارد جهدا في التأكيد على كروية الأرض، ويقدم الأدلة العلمية الدامغة على كرويتها.

ولأن اللغويات القديمة لا تراعي مسألة الشرود الذهني، فاللسانيات الحديثة وضعت المشاكل الدماغية في الحسبان، فهناك فرع مستقل اليوم يدرس اللغة في الدماغ يطلق عليه «اللسانيات الإدراكية» ويناقش قضية شرود اللغويين التي تسببت بفقدان المعجم لكم هائل من المفردات الفائتة. فلا تستغرب لو دخلت يوما لأحد أقسام اللغة العربية في العالم العربي ووجدت طلاب اللغة العربية يشرحون دماغا بشريا ويدرسون اللغة في جمجمة إنسان. على كل حال الخليل بن أحمد متهم بالتعصب الرياضي، فتجاهله لمفردة «الجحفلة» لم يكن بداعي الشرود الذهني بل هو تجاهل مقصود ومع سبق الإصرار والترصد. الخليل يحمل ميولا نصراوية ويتعمد تجاهل أي لفظة هلالية تتضمن إسقاطا على نادي النصر. لفظة «جحفلة» وصلت إلينا من تراثنا الموثوق وقد تحققت فيها معايير وقواعد الصرف (جحفل يجحفل جحفلة)، فلماذا تركها الخليل سامحه الله، وهل كان شاردا حين تركها أو متجاهلا؟


ولأن اللغة كائن حي ويتطور، ونكاية في الخليل ومعجمه قررت الجماهير الهلالية إطلاق وصف «المعجم النصراوي» على معجم العين للفراهيدي. وأخذت الجماهير الهلالية تدرس لفظة «جحفلة» دراسة وصفية تاريخية مقارنة وفق المناهج اللسانية الحديثة وأخذوا في تقليب المفردة يمنة ويسرة حتى تأكدوا بما لا يدع مجالا للشك أن لفظة «الجحفلة» من الشوارد القطعية وأن الخليل غفر الله له يحمل ميولا نصراوية خفية جعلته يراعي مشاعر جماهير النصر عندما وضع معجمه الشهير «معجم العين».