الأمر نفسه يمكن أن نسقطه على كلمة الحسنات والسيئات بين أفراد البشر، ولذلك لا يستطيع إلا من فتحت بصيرته أن يقيس بمقياسه تفاوت درجات الحسنات أو دركات السيئات بين بني آدم.
فكما أن أشكال السيارات لا تتعدد بشكل كبير في جيل من الأجيال بل إنها تتنوع وتتطور بشكل كبير أيضًا بتغير الأجيال حتى أننا لا نستطيع أن نتنبأ بسرعة تقدم تصورات هندستها وتعدد إبداع خيارات استخداماتها وخدماتها.
تطورات متعددة وتقدم متواز في ميادين وحقول مرتبط بعضها ببعض لأنها في الأخير تشكل سيارة، أعني بذلك تقدم في تخصص الميكانيكا بأشكاله وتصوراته المتنوعة، استخدامات جديدة وخدمات مستحدثة في حقول البرمجيات والذكاء الاصطناعي دخلت في عصرنا الحديث على صناعة السيارات جعلت أشكالها وهندستها تبهر العقول وتأخذ بالألباب.
الشيء نفسه يمكن قوله عن نظرية الحسنة والسيئة فقول الجنيد المشتهر على الألسنة «حسنات الأبرار سيئات المقربين» خير ما يقرب إلى الأفهام ما نريد أن نقاربه في هذا المقال المتواضع.
فحسنة تقبلها الحق سبحانه بقبول حسن وأرباها لصاحبه كما يربي أحد فلوه حيث جاء في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «من تصدق بعَدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل» فيه إشارة واضحة لتفتيح الأذهان أن باب تشكيل الحسنة من جبل إلى جبال إلى عمارات أو بواخر من الحسنات مفتوح على مصراعيه بحسب قدرة إبداعية النيات التي تسبق الأفعال البشرية أو قل التصورات التي تسبق إبداعات الفعل الإنساني، فكما أن الإنسان يمكن أن يعزم القيام بصدقة تمرة فإنه يمكن أن يعزم على إكرام عشره بعشاء فاخر، أو يعقد العزم على مساعدة شخص على إيجاد عمل ليعيش به طيلة حياته، أو يبني مستشفى كبير أو ينوي بناء أكبر مستشفى في العالم، وبهذا تتعدد التصورات القبلية للأفعال الإنسانية بأشكال لا نهائية بحسب تغير الأشخاص والأزمان والأمكنة، وفضل الله لا يحجر.
قال الحق سبحانه في حق أبناء نبي الله إبراهيم عليه السلام «وجعلنا لهم لسان صدق عليا» التي يفسرها علماء التفسير كالطبري والبغوي بالثناء الحسن، في حين أن المقصود في نظرنا أن محبة الله لهم ولعملهم الصالح جعلهم يذكرون من أحب الخلق إليه في الصلاة الإبراهيمية لترددها خير أمة أخرجت للناس في صلواتهم ودعواتهم كنوع من التكريم لآل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وعسى أن يفهم المتدبر ما أعده الله من مقام ومن لسان صدق عليا أعلى وأعلى لآل سيدنا ومولانا محمد نقطة السر التي افتتح بها الكتاب المسطور واستهل بها الكتاب المنظور ومن قيل في حقه من حبيبه وتقلبك في الساجدين.