نشر عبدالله فدعق في صحيفة «الوطن» مقالة جميلة يدعو فيها إلى الوحدة وترك الخصومة، والانشغال بما هو الألزم والأهم من دفع الصائلين على بلادنا في الإعلام الخارجي، ويستدل على ذلك بفتاوى من المجمع الفقهي الإسلامي قبل تسعة عشر عامًا، كما يستدل بما تم تقريره في ملتقى مكة من حرص على الوحدة وتوحيد التوجهات، إلى آخر ما تكلم به من كلام نافع في مجمله، وإن كانت لنا عليه بعض الملحوظات الهامة، والتي لا يمكن أن يُفهم حديثه باستقامة إلا مع إيضاحها.

ونحن نعلم جيدًا أن الشيخ عبدالله - وذلك من خلال كلامٍ له سابق- يعني بالتصوف: الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه كما تعلم أنه يراك، وأن الزهد وحسن الخلائق كلها مما ينبغي على المتصوفة الالتزام بها؛ وهذه الأمور موافقة لعمل السلف، كما أنها موافقة لما يدعو إليه السلفيون، بل إن السلف -رضي الله عنهم- من صحابة وتابعين، كلهم عاملون بهذه المعاني الرائعة، ولو كان التصوف حقيقة كما يُعَبِّر الشيخ لصح أن يُلقَب الجميع بالصوفية، ولا اعتراض على ذلك، لولا ما في لقب الصوفية من حدوث وكون التلقب به ليس سيماء السلف -عليهم رضوان الله.

ولكن هل حقيقة الصوفية هي ما يذكره الشيخ -وفقنا الله وإياه- أم هناك سمات أُخَر ينبغي أن نلتفت إليها، ونكون صُرَحاء في بيانها وتصحيحها إن أردنا الوصول إلى ما أراده المجمع الفقهي، وما نريده جميعًا من ملتقى مكة.


فمثلاً، دعاء غير الله تعالى ممن يَعُدُّونَهم أولياء وصالحين من الأمور التي لا نقول إن الصوفية يتسامحون فيها، بل مما يحضون عليها ويحرضون على مجتنبيها ويصفونهم بالوهابيين، وهذا الأمر معروف عند جميع المتصوفة بمختلف طبقاتهم.

وممن أذكرهم في ذلك: الحبيب الجفري، وهو ممن يُحسنُ الظنَ به الشيخُ عبدالله فدعق، وللجفري في ذلك أقوال كثيرة، ولكي لا نبعد القول، ستجد له في موقع اليوتيوب موقفًا وهو يستنجد بالحسين -رضي الله عنه- ويُردد «مدد يا حسين»، ومعنى ذلك أنه يرجو النفع منه ويستجير به من الضر، وهذا خلاف قول المولى -عز وجل: ﴿قُلِ ادعُوا الَّذينَ زَعَمتُم مِن دونِهِ فَلا يَملِكونَ كَشفَ الضُّرِّ عَنكُم وَلا تَحويلًا﴾ [الإسراء: ٥٦]، فالحسين -عليه رضوان الله- من دون الله، كما أن كل شيء هو من دون الله، فسؤال من هو دون الله من الأموات شرك بالله تعالى، أما الأحياء فإن سُئِلُوا ما لا يقدر عليه إلا الله، كما كان المخرفون يسألون محمد ناظم حقاني، فذلك شرك بالله، وإن سُئِلُوا ما هو بوسع البشر فلا بأس في ذلك.

والأمثلة على سؤال الأموات كثيرة، ولعليّ أذكر منها: ما يفعله صوفية حضرموت، ومنهم مشايخ كبار معروفون للعامة من زيارة عظيمة في كل عام لما يُدَّعى أنه قبر هود -عليه السلام، ودعاء صاحب هذا القبر بأدعية لا يُدعى بها إلا الله وحده، كما أنهم يزورون مقابر يقال إن فيها قبر العيدروس والجفري والعطاس والحداد، ويسألونهم كما يُسْألُ الله -عز وجل، كل ذلك موثق في موقع اليوتيوب.

ومن مُضلات الصوفية، سرعتُهم في إقامة البدع، ولن أذهب بعيدًا إلى ما قد يجهله الشيخ، بل سأقترب كثيرًا، وأحيله إلى موقع اليوتيوب، حيث يظهر الشيخ محمد علوي مالكي، وهو يذكر الله تعالى بطريقة لا تشبهها إلا طرائق الشيعة ومعه فريق يقفزون ويرقصون، وللعلم فإن السيد محمد علوي ممن صرح بجواز الاستغاثة بالأموات قُربة إلى الله تعالى، وذلك في كتابه الذخائر المحمدية، مع أن الله -تعالى ذِكْرُه- أخبر أن هذه هي حجة المشركين حين قال: ﴿أَلا لِلَّهِ الدّينُ الخالِصُ وَالَّذينَ اتَّخَذوا مِن دونِهِ أَولِياءَ ما نَعبُدُهُم إِلّا لِيُقَرِّبونا إِلَى اللَّهِ زُلفى إِنَّ اللَّهَ يَحكُمُ بَينَهُم في ما هُم فيهِ يَختَلِفونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهدي مَن هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ﴾ [الزمر: ٣]، فقال -سبحانه- إنهم اتخذوا أولياء، ولم يقل اتخذوا آلهة، وأن أولئك الأولياء تقرب إليهم مشركو العرب، وسمى الله تقربهم إليهم عبادة، وهذه من أعظم العظائم التي لم أجد أحدًا من المتصوفة تبرأ منها.

لن أذهب مع الشيخ إلى القول بالحلول، والقول بالاتحاد، ومَن يقول بهما ممن يَعرفه الشيخ، فأظن أنهما لا يدخلان في اشتراطه في التصوف أن يكون حقًا، وتكفيني هاتين المسألتين اللتين أفصحت عنهما، فلعل الشيخ يوافينا بمقالة يبرأ فيها من القول بدعاء غير الله تعالى سواءً أكان وثنًا أو صاحب قبر، كما يبرأ من القول على الله بغير علم في مسألة الرقص وزعم أنه لله تعالى.

أما ما ذكره من تعدد السلفيات، فلا يخفى عليه أن لا سلفية في السعودية إلا ما كان على نهج هيئة كبار العلماء، وهو نهجٌ متقدمٌ من زمن تكوينها وقبل أن تتكون، وما يشيع من سلفيات خارج ذلك المنهج تُفسِّق وتبدع وتكفر على التعيين، فليس منها في شيء، والواقع والتاريخ يُثْبِتُ ذلك.

أما ما ذكره من تكفير الأشاعرة، فنقول له -رحمك الله، هلَّا رجعت إلى كتب الأشاعرة قبل أن تكتب، لتجد أنهم يكفرون من يقول بعلو الله تعالى، ومن يقول بتكلم الله تعالى كما يشاء بما يشاء في أي وقت يشاء، ويرموننا بالتجسيم، ويقولون: كل مجسم كافر، ولن أطيل معك في سرد الأقوال، ولكن أكتفي بما قاله إبراهيم الشيرازي في كتابه «شرح اللمع في» الجز الأول في (الفقرة 111) أن كل من لا يقول برأي الأشعري كافر؛ وهذا يكفي هنا.

وأما عن موقف السلفيين من الأشاعرة، فيكفي أن نشير إلى جامعاتنا الشرعية وكم استضافت منهم، بل وجعلتهم مدرسين للعقيدة السلفية في الجامعة سواء جامعة أم القرى أو جامعة الإمام أو الجامعة الإسلامية، فلا مقارنة بين الاثنين، وكثير مما يحدث من سجال بين الأشعرية والسلفية في وقتنا الحاضر مبدؤه أن الأشاعرة في الوطن العربي منشغلون كثيرًا بتفويق الشبهات حول السلفية، تاركون ما هو ألزم عليهم، وهو الدفاع عن السنة في مواجهة ما يجابهها من المد الصفوي الخبيث.

وأختم بالقول: إننا مع الشيخ فيما دعا إليه، شريطة أن يبين موقفه من الأمرين اللذين ذكرت، كما أحب أن أقول إنني أسكن مكة المكرمة كما الشيخ، ولم أسمع منه - وفقه الله - أنه قائل بدعاء غير الله، لكنني أرغب في أن يسلك بالناس طريقًا مَهْيَعَا.