يأخذ هدر الأدوية أشكالاً متعددة، منها صرف أدوية تفوق حاجة المرضى، وعدم التزامهم بتعليمات الاستخدام، إلى جانب انتهاء صلاحية الأدوية المخزنة في المنازل أو المرافق الصحية. في بعض الحالات يرتبط السبب بالسياسات الصحية التي قد لا تراعي ترشيد صرف الأدوية، مثل الوصفات الطبية التي تلزم شراء عبوات كاملة حتى لو كانت الجرعة المطلوبة أقل بكثير. كما أن نقص التوعية بين المرضى حول كيفية التخلص الآمن من الأدوية غير المستخدمة يؤدي إلى تراكمها أو التخلص منها بطرق غير صحيحة مما يؤثر على البيئة.
على المستوى الدولي سعت عديد من الدول إلى مواجهة هذه المشكلة عبر إستراتيجيات متعددة. في المملكة المتحدة أطلقت هيئة الخدمات الصحية الوطنية برامج توعية تهدف إلى تشجيع المرضى على إعادة الأدوية غير المستخدمة إلى الصيدليات بدلاً من التخلص منها في المنازل. كما قامت الحكومة بإدخال أنظمة إلكترونية لمتابعة صرف الأدوية، مما يقلل من تكرار الوصفات غير الضرورية.
أما في الولايات المتحدة فقد تبنت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية برامج لاسترجاع الأدوية غير المستخدمة من خلال الصيدليات ومراكز جمع مخصصة، حيث يتم التخلص منها بطريقة آمنة أو إعادة توزيعها عند الإمكان. كما أن بعض الولايات مثل كاليفورنيا ألزمت الشركات المنتجة للأدوية بالمشاركة في برامج إعادة التدوير والتخلص الآمن، مما خفف من التأثير البيئي للأدوية المنتهية الصلاحية.
في الدول الإسكندنافية اتبعت السويد نموذجًا متميزًا من خلال الجمع بين التكنولوجيا والتشريعات، حيث تفرض قوانين صارمة على صرف الأدوية وتدير نظامًا رقميًا يسمح للصيدليات بمراقبة الاستهلاك الفعلي للمرضى والتقليل من الهدر عبر صرف الكميات المطلوبة فقط.
في العالم العربي، لا تزال الجهود في مراحلها الأولى، حيث تعتمد بعض الدول على حملات توعية دورية تدعو إلى إعادة الأدوية غير المستخدمة إلى المستشفيات والصيدليات، كما بدأت بعض المؤسسات الخيرية في جمع الأدوية التي لم تستخدم وإعادة توزيعها على المحتاجين وفق معايير صحية دقيقة.
تتطلب معالجة هذه المشكلة نهجًا شاملًا يشمل تعديل السياسات الصحية، وتعزيز الوعي المجتمعي، والاستفادة من التكنولوجيا لمراقبة صرف الأدوية. كما أن إشراك الشركات المصنعة في تحمل مسؤوليات بيئية واجتماعية يمكن أن يسهم في تقليل الهدر، سواء عبر تحسين تصميم العبوات بما يتناسب مع احتياجات المرضى، أو تطوير نظم تدوير واسترجاع فعالة.
هدر الأدوية مشكلة ذات أبعاد اقتصادية كبيرة حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 12 مليون طن من الأدوية تهدر سنويًا على مستوى العالم، مما يسبب خسائر مالية ضخمة.
في النهاية يبقى هدر الأدوية تحديًا عالميًا يتطلب حلولًا إبداعية ومستدامة، فكما أن الدواء هو وسيلة للشفاء، فإن ترشيد استخدامه مسؤولية جماعية تضمن استمرارية الموارد الصحية وتحافظ على البيئة والصحة العامة.