أعظم ما قد يملكه أي إنسان هو حصوله على حريته والتصرف كما يشاء؛ فالقيود -بالطبع- سجن أبدي في حالها. ولكن ماذا لو فهمنا حدود الحرية المسموحة لنا، وهل للحرية أشكال؟

بالطبع تتعدد أشكال الحرية؛ فمنها الحرية الشخصية، والحرية الدينية، وحريتك في المجتمع واتخاذ القرارات. وقد نجد أن أسوأ أنواع الحرية «حرية اللامبالاة»، فنجدها آنية ذاتية نفسية وفي قمة الأنانية. فدعنا نتفق أن لك حرية الاختيار، ولكن ليس لك حرية التصرف الكاملة إذا كانت مرتبطة بالدين والمجتمع وحقوق الآخرين. فحريتك مقرونة بالنتائج التي قد تحصل عليها من خلال قراراتك غير المبالي بها. فلو افترضنا أنك رددت هذه العبارات «أنا حر سأفعل ما أشاء»، «أنا حر سأتصرف وفق ما أشعر»، «أنا حر لا آخذ رأي أحد». هذه العبارات هي قرارات يجب توظيفها توظيفًا صحيحًا، ويجب مراعاة الالتزام الأخلاقي وتجنب الوقوع في منازعات شخصية، ولو كنت غير مبال فقد يدخل ذلك في «حيونة الإنسان»، أوتصنف بأنك «شخص غبي»؛ لأن الغباء مرتبط بالنتائج والمكاسب.

ليس من حريتك تكذيب الآخرين أو الإنكار عليهم أو التعدي على خصوصياتهم، وقد تتحول إلى شيطان خبيث مكروه وليس لك قبول في المجتمع. قد تعتقد أنك إنسان حر يعيش كما يريد، ولكن للحياة رأيها الآخر عن هذه الحرية التي -بالتأكيد- لها قواعد وقوانين والتزامات. وهذا الكون لا يتعامل وفق حريتك، إنما وفق التزامك ووعيك الذاتي بالتصرف. وليس لك الحرية الكاملة كونك أبًا أو أمًا أو زوجًا أو زوجة في التعدي على الطرف الآخر أو إيذائه، فللآخرين حقوق واحترام. فمراعاة المشاعر واجب على كل شخص منا؛ حيث تحمل في طياتها كثيرًا من القيم والمبادئ. وكونك أبًا أو أمًا أو زوجًا...إلخ لا يعني أن لك الحق في فعل الأخطاء بشكل متكرر وغير عقلاني، أو التعدي على الحدود مهما كانت الأسباب، بل واجب عليك أن تحترم الآخرين وتقدر مكانتهم، ولست مخيرًا في ذلك.


قد نخضع للضرورة في بعض الظروف الطبيعية في الحياة المتغيرة، وقد ينفصل الإنسان عن نفسه، وقد يتسبب بتمزق كامل في شخصيته، ويصبح ضعيفًا مرهونًا للعاطفة والانفعال والاندفاع واتخاذ القرارات السريعة، ويصبح أسيرًا لنفسه. بالطبع هذا النوع بالذات يشفق عليه؛ لأن نسبة الإدراك لديه ضعيفة ولا يشعر بقيمة التصرف، وقد تجده يعتقد أنه سيد هذا الكون ليفعل ما يريد وفق حريته الطفولية غير الواعية بنفسه وبدينه وبمجتمعه، إن للفهم خلاصة عجيبة وهي البذرة الوحيدة التي يجب تغذيتها لفهم العالم وكيفية التصرف وفق قوانين الكون.

مرحلة العنف من أهم مراحل حرية اللامبالاة؛ إنها حافلة بمعلومات غير ثابتة تدعوك إلى العنف باستمرار تجاه الحياة والمجتمع؛ لفرض التغيير وفق آرائك أو معتقداتك غير الناضجة بالتمييز والإثبات، وتدفعك إلى العنصرية العامة بمستويات مختلفة. تختلف حدود الحرية في حياتك؛ فمنها المادي والعقلي والنفسي، وهي بالتأكيد نابعة من تقدير الذات، فمعرفة الحدود الصادرة والواردة تجاه الآخرين أو تجاه نفسك بالطبع تعكس احترامك لنفسك، فقد تجد الشخص مهزوز المشاعر، كل يوم له شكل ولون، وسهل التأثر، رغم أن من يفعل ذلك لا يخسر إلا نفسه في نهاية الأمر. من المهم أن نستخدم في معاملة الآخرين المعيار نفسه الذي نحب أن يستخدمه الآخرون في معاملتنا، ولا بد من احترام حدودك ومعرفة خطوطك الحمراء وعدم تلقي العالم بعدة أوجه.

قد نجد في المذيعين تصرفات همجية غير عاقلة بصفته مذيعًا وهو المسؤول عن إدارة هذا البرنامج، يتعمد إحراج الضيف ومضايقته بعبارات استفزازية، والتدخل في شؤون الضيف الخاصة من أجل مصلحته الشخصية، وارتفاع المشاهدات؛ فهذه اللامبالاة محتقرة وغير أخلاقية، وهذا تعد عمدًا على حدود الآخرين. إن للعلم والتميز والآداب والأخلاق الفاضلة ثمنًا غاليًا جدًا لا يناله إلا المجتهد النبيل.

الحرية الدينية تجربة روحية وليست تجربه نفسية أو واقعية، إنها يقظة النفس، هي الضمير الساكن الذي لا مجال للامبالاة فيه، واختيارك دينًا محددًا - أيًا كان هذا الدين - اختيارك هو التزامك، لا تدخل هذا الدين وبعد ذلك تريد تغيير قواعده بجعل الحرام حلالًا والحلال حرامًا وفقًا لأهوائك، مدعيًا أنك بذلك تحقق حريتك الشخصية. لو كان الإنسان حرًا كما يدعي لدُمر الكون بحكم طبيعة الحرية التي تؤدي إلى التطرف. وتنص قواعد حقوق الإنسان الدولية على أن الإنسان له حق الحرية المطلقة في اعتناق أي دين، وأن يدخل هذا الدين غير مكره ولا مجبر، وهذا بالتأكيد هو حرية الاختيار التي لا يمكن أن نجبر أحدًا عليه. وحدود هذه الحرية عدم تجاوز حدود الشريعة في إعطاء الرأي أو تغيير الشرع. حريتك هي الاختيار، لذلك أنت مجبر علي الالتزام الديني في ظل الحدود الدينية؛ فلا يمكن أن نسميك مسلمًا وأنت لا تعمل بالأركان الخمسة، وليس لك الحق في إنكار وجود الله وأنت معتنق ديانة تؤمن بوجود الله وتوحده، ولك الحق في البقاء على هذا الدين، ولك الحق في الخروج منه، ولكن ليس لك حق في تغييره بحسب معتقداتك وأفكارك الإلحادية أو خيانة هذا الدين أو التهجم عليه.

في حقيقة الأمر تختلف المسائل الاجتماعية من دين إلى دين آخر، وبين المفاهيم المختلفة، ولكن اللامبالاة تعد إغلاقًا للمسارات المعرفية التي قد تحدث فيها انحدارات تربوية للفرد مهما كان العمر الافتراضي. وقد تكون حرية اللامبالاة أعلى قدرًا من الواقعية؛ حيث تعبر عن الأساس الوجداني الإنساني وبالأصح احترامك لنفسك. وتعتمد مركزية الإنسان التي يسمو بها الى الارتفاع دائمًا وليس إلى النزول للهاوية. فمن السهل سقوطك، واحترامك لحدودك وفق حريتك الشخصية هو الذي يشكل تعامل الآخرين معك، وعلى أساسه تبنى التجاوزات غير الأخلاقية لحرية الآخر.

في الختام أنوه لأهمية بالغة لتفادي التصادم الفكري في المجتمع، وهي أن يلتزم كل ذي حق حقه.

وأن ندرك أن كل شيء في هذه الحياة نحاول فهمه قد نجده معقدًا، وأنه يجب علينا أن نكشف الأسرار داخليًا وليس خارجيًا، وألا نحكم ولا نتعدى، وأن نعرف معنى الخطوط العريضة ومسؤوليتك الكاملة في حق الدين والمجتمع ونفسك والآخرين. فلا تحشر نفسك في مسائل لا حل لها، فقد تكون أولى خطواتك لفهم معنى حرية اللامبالاة هي إدارة ومعالجة عقدك النفسية والعاطفية، ومشاكل التعلق النابعة من السيطرة التي تجعلك ضعيفًا هشًا. فالذكاء الوجداني له أهمية عظيمة وهذا هو التمييز الأعظم بين الشخصيات.