الأم وعمرها وسجلها الصحي، عوامل تحدد سلامة الطفل في أغلب الأحيان. إذا انتفت الأسباب الوراثية والتشوهات الخلقية غير المفسرة. إذا أنجبت المرأة طفلًا مريضًا اتهموها بأنها السبب، لم تتغذ جيدًا لذلك مولودها صغير الحجم، أو أرهقت نفسها فولدت قبل وقتها. وإن أصابه اضطراب نفسي، قالوا لا بد أنها تعرضت لضغوطات أثناء الحمل، أو أرضعته حليب نكد أو ربما غيلًا. ولكن هذه الأقوال غير دقيقة، فالأم ليست وحدها المسؤولة عن ذلك، بل الوالد أيضًا له دور كبير وإن لم يحمل ويلد!

الرجال رغم أنهم يستطيعون الإنجاب منذ بلوغهم وحتى مماتهم، الإنجاب في سنٍ متأخرة لهم فيه خطورة على الأم وجنينها، فكيف يحدث ذلك؟ ولم لم يحدث الشيء ذاته بالنسبة للآباء القدامى؟

حسب دراسات عديدة مختلفة، يلعب الأب دورًا مهمًا في سلامة الحمل ونتائجه أكثر مما نعتقده. لذلك من الضروري فهم دور الأب ومدى تأثيره في صحة الطفل والأم.


أظهرت دراسات في مناطق مختلفة من العالم، أن الرجال المتقدمين في السن يواجهون خطرًا أكبر لإنجاب أطفال يعانون من الأمراض. وحسب دراسة في المركز الطبي بجامعة ستانفورد الأمريكية، استخدم الباحثون على مدار سنوات سجلات ميلاد 40 مليون طفل، قسموها إلى مجموعات مختلفة حسب عمر الآباء، فهناك مجموعة لمن آباؤهم لم يتجاوزوا سن 25، وثانية ما بين 25-34، مجموعة 35-44، وأخرى لمن آباؤهم ما بين 45-55 عامًا، ودرست حالة الأم أثناء الحمل وصحة الطفل عند الولادة، حسب السجلات الطبية. فوجدوا أن المشاكل الصحية تزداد في المجموعة التي أعمار آبائهم أكثر من 45 عامًا، فهؤلاء الأجنة يواجهون خطر إجهاضهم أو ولادتهم مبكرًا بوزن منخفض بنسبة تصل إلى %14 مقارنة بالأطفال الذين آباؤهم أصغر سنًا. وتزداد نسبة دخولهم للعناية المركزة لحديثي الولادة بما يعادل %18 إذا زاد عمر الأب عن 50 سنة، لأنهم يولدون في وقتٍ مبكر، فضلا عن أن الطفل قد يعاني من حاجته إلى الدعم التنفسي بنسبة %10 إذا ما ولد مبكرًا جدًا. وكذلك يزداد معدل إصابة الطفل بالأمراض العصبية، والتوحد هو الأكثر نسبة بينهم، ونُسب ذلك لحدوث تغييرات في تسلسل الحمض النووي (DNA) للحيامن. الحمل لا يؤذي الجنين وحده بل يمتد إلى والدته أيضًا حيث يزيد معدل سكري الحمل بما يقارب %28 إذا ما تجاوز الأب 45 من العمر وإن كانت الأم أصغر سنًا. حقيقة لا تُعرف الأسباب العلمية الدقيقة لذلك.

العوامل البيئية الحالية وما ينتشر فيها من سموم ومواد كيميائية وبلاستيك، والتي يتعرض لها الذكور أكثر تؤثر فيهم سلبيًا، وبالتالي في صحتهم الإنجابية. ليست العوامل البيئية فقط، بل أسلوب الحياة والنظام الغذائي وهذا غالبًا ما جعل صحة القدامى أفضل وإن أنجبوا في سنٍ متقدمة، حيث كانوا يتمتعون بنشاط أفضل، بيئة أقل تلوثًا، وغذاء صحي، بينما الآن الوضع مختلف. وربطت الأبحاث والدراسات العلمية بين التدخين والنظام الغذائي السيئ الذي يتميز بكثرة الدهون وقلة البروتين والفيتامينات في الآباء، وبين انتشار السمنة وإصابة أطفالهم بالسكري، ولكن لا بأس سيتحسن النسل إذا تحسن النظام الغذائي والحياتي لآبائهم.

يتوقع العلماء أن يكون عمر الآباء مستقبلًا أكثر تقدمًا، لأن الزواج أصبح فكرة مؤجلة وتبعًا يتأخر سن الإنجاب، لتزايد نسبة الأبوة المتأخرة خلال السنوات الماضية، بينما في السابق لم تكن نسبة الآباء الذين أنجبوا أول طفل لهم بعد سن الأربعين تتجاوز 4%، ولا علاقة للتعليم أو المستوى المعيشي بذلك.

لنتذكر دائمًا أن أسلوب الحياة له آثار بيولوجية تؤثر في الأبناء والأحفاد وربما بقية السلالة. فلنفعل ما هو بيدنا، ونعش نمط حياة صحي. أمّا سن الزواج والإنجاب فهو أمر تشترك فيه عوامل عديدة لا يد للإنسان فيها.