مواصلة لدورها في تشكيل مصدر إلهام للجمعيات والمؤسسات المعنية بقطاع الشباب وضرورة تسخير قدراتهم لتنمية المجتمعات، انطلقت خلال الأيام الماضية أعمال الدورة الثامنة لمنتدى «مسك» تحت شعار «من الشباب لأجل الشباب» التي تهدف لتشكيل مستقبل أفضل للشباب، وهو ما يؤكد أن مدينة محمد بن سلمان غير الربحية تمثل وجهة مستقبلية تعكس رؤية سمو ولي العهد في بناء مجتمع معرفي حيوي.

وتكشف هذه الفعالية استمرار جهود المملكة في إزالة كل العقبات التي تعترض طريق هذه الفئة الغالية وتمكينها، وأنها تمضي في هذا الشأن بخطى ثابتة تتوافق تماماً مع ما أقرته رؤية المملكة 2030 لترقية مهارات الشباب وزيادة معارفهم بما يؤهلهم للمنافسة في سوق العمل. لذلك فقد اتسمت كل أعمالها بالروح العملية، واتبعت أساليب حديثة، وابتعدت عن النمطية والروتين، وذلك تطلعاً إلى آفاق أرحب، واعتماداً على الخيال القابل للتحقق، ورغبة في الوصول إلى كل فئات المجتمع.

كما اهتمت الرؤية التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان- حفظه الله- بإحداث تغيير إيجابي كبير في بنية المجتمع السعودي لتجاوز حالة السلبية وعدم اللامبالاة التي تعاني منها بعض شرائح المجتمع تجاه القضايا العامة، وزيادة نسبة مشاركة العمل الطوعي في المجتمع، وتشجيع الجمعيات والمؤسسات الأهلية على تفعيل أدواتها، وتطوير آليات عملها، وتحديث سبل أدائها، حتى تكون قادرة على أداء الأدوار المنوطة بها، ليصل تأثيرها إلى الشرائح التي تحتاجها.


وخلال الدورات السبعة الماضية للمنتدى تم إقرار وإنجاز عديد من الخطط الطموحة التي وجدت طريقها للتنفيذ على أرض الواقع، مما يؤكد مرة أخرى أن هذا المنتدى الفريد من نوعه ليس مجرد احتفالية تجمع المفكرين والمتخصصين فقط، بل هو وسيلة عملية لإيجاد خارطة طريق متكاملة تهدف إلى وضع حلول لعديد من الصعوبات والعقبات، وفرصة لاستشراف واقع أفضل باستصحاب عناصر واقعية بعيداً من الأحلام والأوهام.

وللتأكيد على ذلك تكفي الإشارة إلى أن مؤسسة «مسك» قامت منذ انطلاقتها بتوفير الدعم لأكثر من 7 ملايين شاب وفتاة، وأن الهدف الرئيسي للمؤسسة هو دعم وتمكين الشباب وإعدادهم ليكونوا القوة المحركة للمستقبل.

وهنا أتفق تماماً مع ما ذكره سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان- حفظه الله- الذي أكد أنه لا توجد دولة في العالم كله استطاعت أن تنجز خلال بضع سنوات ما حققته المملكة من تحول شامل في بنيتها الاجتماعية، وأن أكبر المتفائلين لم يكن يحلم بهذا التغيير الإيجابي الكبير الذي ما كان له أن يتحقق لولا وجود الإرادة الكبيرة والصادقة من صناع القرار.

لذلك فإن النسخة الحالية للمنتدى، التي تُعد الأكبر من حيث عدد المتحدثين، والأصغر من حيث أعمارهم، تعكس بجلاء التركيز على الشباب كقادة للمستقبل. كما تمتاز بتنوع برامجها التي تشمل تقديم تجارب مبتكرة ومساحات تفاعلية مثل المسرح، وديوان القادة، وبيت الشباب، وذلك لإيجاد مناخات مواتية للإبداع والتفكير، فضلاً عن بناء جسور التعاون الثقافي مع بقية دول العالم.

كما يولي المنتدى أهمية كبرى لتعزيز البرامج المتخصصة في الريادة، والمهارات، والقيادة، والمجتمع، وذلك بالتعاون مع المؤسسات التابعة لها، مثل مدينة محمد بن سلمان غير الربحية، ومعهد «مسك للفنون»، وشركة «مانجا للإنتاج».

أما المهمة التي أرى أنها أكثر أهمية ضمن أجندة المنتدى فهي أنها تجمع الشباب من مختلف أنحاء العالم لزيادة التبادل المعرفي وتبادل الخبرات، وفتح آفاق جديدة لهم في مجالات التكنولوجيا، والابتكار، وريادة الأعمال. كل ذلك بإشراف ومتابعة وتوجيه مباشر يقوم به نخبة من الخبراء والقادة وصناع القرار الذين يتناولون قضايا الشباب والتنمية، ويكشفون تجاربهم الملهمة، وينقلون عصارة تجاربهم وخبراتهم للأجيال المقبلة.

فهؤلاء القادة والخبراء المحليون والعالميون يستعرضون أمام هؤلاء الشباب عديداً من التجارب الحياتية والمهنية التي مروا بها، وكيف استطاعوا تحقيق النجاح والتغلب على التحديات في مسيرة الحياة، كما يقدمون لهم نصائح قيمة تعينهم على تحديد أهدافهم وطموحاتهم والعمل الجاد لتحقيقها، إضافة إلى أهمية الابتكار والتفكير الريادي لمواجهة متغيرات العصر. وإذا ما أخذنا في الحسبان أن الدورة الحالية للمنتدى يشارك فيها أكثر من 150 متحدثاً من القادة والمبدعين وصُناع التغيير، وتشهد إقامة ما يزيد على 100 جلسة حوارية وأكثر من 30 ورشة عمل متميزة بالتعاون مع أبرز شركاء المعرفة العالميين فسوف ندرك حينها مقدار التأثير الإيجابي لهذا المنتدى، لا سيما أن مواضيع النقاش المطروحة تغطي مجموعة واسعة من القضايا مثل الاستدامة، والتعليم، والابتكار، والتكنولوجيا، والصحة، والثقافة، وتغير المناخ؛ وذلك بهدف استكشاف آفاق التنمية المستقبلية.

من هنا يمكن القول بمنتهى الثقة، إن هذا المنتدى العالمي سيكون بمثابة حلقة وصل بين الشباب الذي يتحلى بالطموح العالي، والقادة، والمبتكرين، والمبدعين، حيث يتم التركيز على اكتشاف قدرات الشباب، وتحفيز طاقاتهم، وتمكينهم في عديد من المجالات؛ بما يُحقق النمو الاقتصادي والمعرفي.

لذلك فإن المحصلة النهائية من هذه الفعاليات الرائدة سوف تكون مزيداً من رفع قدرات الشباب وزيادة كفاءتهم وإعدادهم لحمل راية البذل والعطاء في المستقبل، إضافة إلى تأهيلهم لتقديم صورة ناصعة البياض عن المملكة.

وهنا أعيد ما سبق أن ذكرته في السابق أن هذا الجيل يحظى بفرص استثنائية بما يجده من تسهيلات لم تكن متاحة لمن سبقوهم، فالمجال متاح أمامهم للإبداع والتفوق، بعد أن آمنت القيادة الرشيدة بقدراتهم، وسخرت إمكانات البلاد لتطويرهم ورفع مهاراتهم، وبإمكانهم إذا أحسنوا انتهاز هذه الفرص أن يغيروا وجه الحياة إلى الأفضل بما يطور واقعهم ويفتح أمامهم أبواب المستقبل العريض.