التشوهات الخلقية، خلل يحدث أثناء تخلق الجنين في رحم أمه فيولد به، ما قد يؤدي لإعاقات جسدية أو عقلية أو حتى الوفاة. قد تظهر هذه التشوهات في الأطراف أو في الجهاز العصبي أو أجهزة الجسم الأخرى، أو ربما على شكل اضطرابات هرمونية أو أمراض استقلابية، ما يتسبب بعواقب جسدية واقتصادية ونفسية واجتماعية طويلة الأجل على الأطفال وأسرهم.

على الصعيد العالمي، يولد ثمانية ملايين طفل سنويًا يعانون من تشوهات، ما يؤدي إلى وفاة 3.3 ملايين طفل قبل بلوغهم الخامسة ويواجه 3.2 ملايين ناج إعاقات جسدية أو عقلية محتملة.

تشكل التشوهات الخلقية، تحديا صحيا عالميا كبيرا، ومعرفة أسباب التشوهات أمر بالغ الأهمية لتحديد العوامل التي قد تسببها أو تمنعها، لوضع إستراتيجيات تمنع حدوثها أو التقليل من أضرارها. عادة حينما يُكتشف التشوه أثناء الحمل، يُعد حملا عالي الخطورة حيث إن الرحم قد يلفظ الجنين، فيكون إجهاضًا وهذه رحمة من الله، بالذات تلك التشوهات المرتبطة بالخلل الكرموسومي. الكشف عن التشوهات الكبيرة أثناء الحمل مهم جدًا، مثلًا طفل مصاب بشق في الأنبوب العصبي لا بد أن يولد في مستشفى يتوفر فيه خدمة جراحة المخ والأعصاب، كذلك لو جنين شُخص بفتق بالحجاب الحاجز قبل الولادة لا بد أن يولد في مستشفى يتوفر فيه خدمة جراحة الأطفال وكذلك المستوى الثالث من العناية المركزة لحديثي الولادة.

تشمل أسباب التشوهات عوامل غذائية ووراثية وبيئية واقتصادية، وأكثر الأحيان تكون متعددة العوامل، يُعد فهم التفاعل بين العوامل الوراثية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية أمرًا ضروريًا للتقليل من حدوثها، في حين أن الملوثات البيئية والأدوية والأمراض المعدية تشكل مخاوف عالمية كأسباب قوية للتشوهات، إلّا أن هناك أسبابًا غير معروفة لحدوثها، ما يؤكد التعقيد الذي يعزى غالبًا إلى الوراثة وتعدد العوامل أو تداخلها.

ارتفعت نسبة حدوث التشوهات الخلقية عالميًا، وفي السعودية حسب دراسة حديثة أجريت في جنوب المملكة، كانت النسبة 3.2 % ما بين عامي (2018-2022)، بينما في عام 2022 فقط تجاوزت نسبتها 4 %. وشكلت الولادات المبكرة 39.6 % من هذه الحالات.

تشير نتائج الدراسة السعودية إلى أن زواج الأقارب مرتبط بنسبة 63.3 % بحالات التشوهات الخلقية، ولا سيما عيوب الأنبوب العصبي (25 %) وأمراض القلب الخلقية (19.7 %)، ووجدت بعض الدراسات أن المولود الأول نسبة إصابته أقل مما يليه من الأبناء، فكلما تأخر ترتيب الطفل بين إخوته زادت نسبة إصابته، ويعتبر عمر الأم والتاريخ المرضي للأمهات قبل الحمل وأثناءه ذو علاقة وثيقة بنسبة التشوهات الخلقية، وكذلك تقدم الأب في العمر.

وكشف التوزيع الجنساني (الجندري) للتشوهات الخلقية بين حديثي الولادة عن ارتفاع معدل الإصابة بين الإناث، حيث يشكلون 59.3 %، وشكل الذكور 40.6 %، بينما كان الذكور أكثر عرضة للتشوهات الخلقية في بعض البلدان، وهذا يشير إلى تأثير الديموغرافية.

وارتبط التدخين السلبي أكثر بشقوق الشفة (60 %)، نقص الكالسيوم أثناء الحمل يزيد من نسبة إصابة الجنين بتشوهات القلب الخلقية حيث إنها ارتبطت بنسبة 40 % من الحالات، نقص حمض الفوليك مسؤول عن تشوهات الأنبوب العصبي في الأجنة، وتناول بعض الأدوية أثناء الحمل وأحيانًا قبله كعلاجات حب الشباب (الريتينول) تشوه الجنين وربما تقتله، إهمال علاج الغدة الدرقية أثناء الحمل يؤثر في جودته، عدم انتظام السكر أو الضغط أثناء الحمل يسببان مشاكل صحية وتشوهات أو موت الجنين.

التخطيط للإستراتيجيات الوقائية مثل توفر المشورة قبل الحمل والفحص قبل الزواج على أن يشمل أمراضًا جينية أكثر، وخاصة بين الأقارب، وإعطائهم معلومات عن المخاطر المحتملة لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن تنظيم الأسرة، واختيار الشريك. يمكن أن يؤدي تعزيز برامج التثقيف ما قبل الولادة إلى زيادة الوعي بين الأمهات الحوامل، تنفيذ برامج توعوية مجتمعية في تثقيف السكان واتخاذ تدابير تثبيط زواج الأقارب والذي يبلغ في السعودية حسب إحصائية سابقة 38 %، وتعزيز أهمية نمط الحياة الصحي والتغذية السليمة، وتشجيع الأفراد على تجنب عوامل الخطر المعروفة أثناء الحمل، ما يساعد في تقليل التشوهات الخلقية، والحد من وفيات الأطفال حديثي الولادة والرضع، وتحسين نتائج الحمل.