أصبح قطاع التعليم الجامعي الأهلي في السعودية أحد أكثر القطاعات الخدمية والاستثمارية نضوجًا، حيث كانت بدايات إنشاء الجامعات والكليات الأهلية قبل ما يقارب الخمس وعشرين سنة، والتي وصل عددها اليوم إلى 15 جامعة أهلية و13 كلية أهلية منفردة و8 مجمعات لكليات أهلية. والمتطلبات صارت مختلفة عما عنه في بداياته، وذلك للحفاظ على نمو مستدام بهذا القطاع الهام والحيوي للاقتصاد الوطني والمجتمع. التعليم الجامعي الأهلي جنباً إلى جنب مع قطاع التعليم الجامعي الحكومي يقوم على تنمية وتأهيل أفراد المجتمع (مواطنين ومقيمين) لسوق عمل متغير بوتيرة متسارعة، وبالتالي يطمح القائمين على التعليم الجامعي الأهلي تذليل الصعاب وإيجاد حلول جوهرية للعقبات المحتملة حتى يكون نموذجاً حقيقيًا لبقية القطاعات المستهدفة برؤية المملكة الطموحة 2030.

وتم مؤخرًا استحداث مجلس استشاري لمؤسسات التعليم العالي الأهلي برئاسة معالي وزير التعليم وعضوية عدد من أصحاب الخبرة في الاستثمار التعليمي الجامعي الأهلي، ومن ضمن المهام المناطة بهذا المجلس الموقر أن يقوم المجلس بتذليل التحديات التي تواجه مؤسسات التعليم العالي الأهلية، ولعل هذا المجلس بداية لفكرة استحداث هيئة أو مركز وطني يقوم على مؤسسات التعليم الأهلي (العام والجامعي) وعضوية مباشرة مع الوزارات ذات العلاقة بالاستثمار التعليمي الأهلي، مثل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ووزارة التجارة ووزارة الاستثمار وغيرهما، مما يساعد على استقلالية أكبر للجامعات والكليات الأهلية وإيجاد حلول جوهرية للارتقاء بشكل أفضل لهذا القطاع الحيوي ليتوافق مع تطلعات القيادة والمجتمع.

ومن العقبات هي عدم وجود آلية على تأسيس شركات تعليمية مساهمة بالكامل قابلة للتداول في سوق المال أو شركات على شكل المساهمة المبسطة بناءً على الأسس والقواعد التي وضعتها وزارة التجارة بنظام الشركات الجديد الصادر بمرسوم ملكي رقم (م/132) وتاريخ 01/12/1443هـ)، حيث أن جميع الشركات التعليمية التي تقوم على إدارة المؤسسات التعليمية الجامعية الأهلية تأخذ شكل الشركة ذات المسؤولية المحدودة فقط والتي لها ميزات عديدة، ولكن تفتقد للمميزات الاستثمارية المستدامة المرتبطة بالنمو المتسارع والرقابة المالية والإدارية والتطويرية وميزات تمويل المشروعات. لذا، لعل لوزارة التعليم بالتعاون مع وزارة التجارة دورًا في توعية وتهيئة المؤسسات التعليمية الأهلية للدخول في هذا المجال الاستثماري لما له من أهمية قصوى في التنمية والتأهيل وجودة نظام الشركات التعليمية المساهمة، والذي يعود بالنفع على التنافسية في تقديم خدمات تعليمية بجودة وإتقان واستدامة مالية بعيدًا عن المخاطر المالية والتشغيلية.

وتعتبر الموارد البشرية المؤهلة هي أحد أهم عوائق تقدم التعليم الجامعي الأهلي بالمملكة لما تواجهه الجامعات الأهلية من صعوبة في توفير الكوادر البشرية المتخصصة والمؤهلة للقيام بواجبها بتعليم وتأهيل أفراد المجتمع بالجودة المطلوبة. حيث أنه مازال هناك عائق واضح في توفير كوادر تدريسية في تخصصات دقيقة وخاصة في المجالات التعليمية المستقبلية مثل برامج الطاقة المتجددة والأمن السيبراني وسلاسل الإمداد وصناعة الأدوية والذكاء الاصطناعي وغيرها. كما أن توفير كوادر بحثية ذات خبرة واسعة في عدة مجالات مازالت عقبة بالمقارنة مع القطاعات التعليمية الحكومية، وتحتاج للكثير من الجهد في البحث وتقديم ميزات مالية عالية لاستقطاب الكفاءات، مع الحفاظ على تقديم خطط لتوطين كثير من المجالات التعليمية والبحثية بكفاءات وطنية. والمقترح هنا أن تقوم وزارة التعليم مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وضع آليات واضحة مخصصة لقطاع التعليم الجامعي الأهلي في المملكة لتذليل عقبات وشروط استقطاب الكوادر البشرية المؤهلة وتحفيز النمو والاستدامة المالية والاستقرار المهني والمالي، بعيداً عن المعاملة بالمثل مع الشركات والمؤسسات التنموية والاستثمارية الأخرى التي قد لا تعاني كثيراً من استقطاب كفاءات وطنية مؤهلة.

ومن أهم العقبات التي تواجه التعليم الجامعي الأهلي هي صعوبة الإجراءات الإدارية والنظامية في استحداث البرامج الدراسية، والكليات والأقسام الأكاديمية، حيث أن المرونة في هذا الجانب سوف يمنح القطاع الجامعي الأهلي امتيازات عديدة أمام سوق العمل لتوفير كوادر حسب الحاجة والطلب. وهذا العائق سبّب ضعف الثقة من القطاع الخاص في استقطاب خريجي الجامعات والكليات الأهلية لأن كثير من التخصصات والبرامج الدراسية مستنسخة من جامعات حكومية، ولا يتوفر بها النوعية والتفرد عما يفترض التركيز عليه من القطاع الجامعي الأهلي. كما أن غالبية الطلبة يفضلون الجامعات الحكومية على الأهلية، خاصة وأن الأهلية لا تقدم الجديد من برامج وتأهيل بالمقارنة مع المطروح في الجامعات الحكومية. وعلى هذا، لوزارة التعليم دورًا حيوياً في تمكين القطاع الجامعي الأهلي في تعزيز دوره ودعمه بالشكل المناسب وتسريع الإجراءات لتنفيذ الخطط التعليمية الاستراتيجية بالشكل المطلوب وفق ما تقتضيه متطلبات الجودة والاعتماد الأكاديمي.

تنمية الاقتصاد الوطني يعتمد اعتماداً قوياً على التنمية البشرية المتقنة، والقطاع الجامعي الأهلي أحد أهم القطاعات المستهدفة في المستقبل القريب، وعلى كافة الأجهزة الحكومية والمستثمرين العمل معاً على تذليل الصعاب وحل مكامن الخلل والضعف لتعزيز دوره في الاقتصاد الوطني وتأهيل الكوادر البشرية المدربة لما له نفع هائل على المجتمع والاقتصاد والتنمية.