ثمانية أعوام ولا تزال رؤية السعودية 2030 تحلق بعيدًا بخطى ثابتة منفردة عن مؤشرات التنمية الاقتصادية في دول العالم شرقا وغربا؛ مسجلة إنجازات ونجاحات نوعية غير مسبوقة؛ كانت كفيلة بتغيير الواقع السعودي إلى أعظم قصة نجاح تشهدها دولة من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية في فترة قياسية؛ وأصبحت مضرب المثل ومحل إشادة خبراء التنمية والاقتصاد في العالم.

ما حققته الرؤية من أرقام ونسب وما أحدثته من تحول مثمر ومستمر في الواقع السعودي يعكس بوضوح حجم ونوعية الإمكانيات والقدرات والمقدرات الطبيعية والبشرية التي تزخر بها المملكة؛ إلى جانب عمقها الإستراتيجي ومكانتها الضاربة في عمق التاريخ، والتي وضعتها في مصاف دول العالم الأكثر قابلية لتحقيق متطلبات التنمية الاقتصادية والبشرية، مما زاد الإيمان بمصداقية مستهدفات الرؤية التي قامت بتحويل هذه الإمكانيات إلى عوامل نجاح رئيسية.

المقدرات والإمكانيات الطبيعية والبشرية ليست كافية لإحداث تحول اقتصادي أو تسجيل علامة فارقة في مجالات التنمية، فكم من دولة تطفو على مخزون هائل من الثروات والمقدرات ولكنها تتذيل قوائم التنمية والاقتصاد في العالم؛ ما يعني أن الاستفادة من الثروات والمقدرات مرهونة بوجود عقليات قيادية وإدارية وإرادة قوية.

وبالنظر في رؤية 2030 والتحديق في تفاصيلها وخططها ومستهدفاتها ومنجزاتها؛ تتضح معالم الشخصية القيادية والإدارية الفذة لسمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، والتي تنم عن نهجه الفريد في الإدارة والتخطيط ووضع الإستراتيجيات والمستهدفات بالتوازن مع الإمكانيات والمقدرات لتحقيق المتطلبات واستشراف آفاق المستقبل؛ للسمو بالوطن والمواطن إلى أعلى مراتب القوة والاستقرار والتنمية والازدهار بما يليق بحجم ومكانة المملكة دينيا وسياسيا واقتصاديا.

بدأت الرؤية بإرساء أسس وقواعد راسخة ومدروسة بدقة وعناية لإحداث تحول تاريخي جريء من خلال إصلاحات هيكلية واقتصادية ومالية واجتماعية واسعة النطاق واستحداث وتعديل الأنظمة واللوائح، للنهوض بالقطاعات الرئيسية واستحداث قطاعات تنموية جديدة، مصحوبة بترشيد عملية الإنفاق الحكومي وتحسين بيئة الأعمال وتوفير فرص العمل وجذب الاستثمارات؛ حتى قطعت شوطا كبيرا في تحقيق المستهدفات ووصلت لمرحلة النضج وبدأت في المساهمة الفعالة في مسيرة التنمية، والتي ظهرت آثارها جلية من خلال نهوض قطاعات حيوية مثل الترفيه والرياضة والسياحة والثقافة والخدمات الرقمية؛ إلى جانب قطاعات أخرى تشهد تقدما واضحا مثل التعدين والطاقة المتجددة وتمكين القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ولا أدل على تحقيق رؤية 2030 مستهدفاتها بنجاح باهر؛ من تجاوزها عدة مستهدفات قبل أوانها، مما دعا لرفع سقف أهدافها نحو مستهدفات أعلى وأكثر طموحا، مع بلوغ مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2023م ما نسبته 50% كأعلى مستوى تاريخي لها، بينما بلغت نسبة مبادرات الرؤية المكتملة والتي تسير على المسار الصحيح 87%؛ إلى جانب تطوير 50 فرصة استثمارية صناعية بقيمة تجاوزت 96 مليار ريال؛ حيث بلغت نسبة الاستثمارات الأجنبية والمشتركة في قطاع الصناعة 37% من إجمالي استثمارات القطاع حتى شهر مايو لعام 2023م، وبلغت قيمتها أكثر من 542 مليار ريال سعودي.

من أهم ركائز نجاح رؤية 2030 اعتمادها على الكوادر والكفاءات الوطنية والحرص على الاستثمار في عقول الأبناء والبنات وتنمية قدراتهم وتلبية متطلباتهم بما يليق بالإنسان السعودي وقدراته وطموحه ويرفع من مستوى جودة الحياة؛ فهو الغاية وعليه العماد حاضرا ومستقبلا، وهو ما تمثل في المشاركة الفعالة لأبناء وبنات الوطن في جميع مشاريع الرؤية من خلال توطين الوظائف وخلق فرص عمل كبيرة، فقد بلغت نسبة الملتحقين بسوق العمل من خريجي التعليم التقني والمهني خلال 6 أشهر من التخرج 45.8%، بينما بلغت نسبة الملتحقين بسوق العمل من خريجي الجامعات خلال 6 أشهر من تاريخ التخرج 41.2%؛ الأمر الذي أدى بوضوح إلى خفض معدل البطالة في المملكة إلى 7.7% مقارنة بخط الأساس البالغ 12.3% متجاوزا مستهدف العام البالغ 8%، في حين بلغ معدل مشاركة السعوديات في القوى العاملة 35.5%؛ إلى جانب ابتعاث أكثر من 1700 مبتعث ومبتعثة في أفضل 30 جامعة حول العالم.

لا يمكن حصر منجزات الرؤية ونجاحاتها في هذا المقام؛ إلا أن من أهم معالم نجاحها الباهر ما شهده صندوق الاستثمارات العامة من نقلة كبيرة تجسدت في مضاعفة قيمة الأصول المدارة للصندوق أربعة أضعاف منذ إطلاق الرؤية والتي بلغت 2.81 تريليون ريال متخطية بذلك مستهدف العام البالغ 2.7 تريليون ريال، الأمر الذي ينبئ عن نهضة تنموية ومستقبل استثماري يفوق التوقعات مع حلول 2030 مدعومة بقاعدة اقتصادية متجددة ومتنامية وسيولة مستدامة في بيئة آمنة وجاذبة للاستثمارات العالمية، والتي ظهرت آثارها جلية من خلال اختيار أكثر من 200 شركة عالمية مدينة الرياض كمقر إقليمي لها.

باتت المملكة اليوم طرفا ثابتا في المحافل الدولية متخطية دولا كبرى في احتضان المشاريع والفعاليات العالمية كوجهة دولية حيوية جاذبة، حيث فازت مؤخرا باستضافة معرض إكسبو 2030 بمدينة الرياض بعد حصولها على 119 صوتا بالأغلبية في منافسة مع مدينتي بوسان الكورية الجنوبية وروما الإيطالية، كما فازت باحتضان منافسات كأس العالم لكرة القدم عام 2034م؛ الأمر الذي يعكس ثقة العالم في المملكة وفي اقتصادها القوي ومشاريعها التنموية وتفوقها على دول العالم وقابليتها للمنافسة بجدارة.

كما أصبحت المملكة اليوم من الوجهات المفضلة للسياح والزوار؛ حيث وصل عدد زوار المملكة إلى 106 ملايين زائر وذلك قبل سبع سنوات من التاريخ المستهدف، لتصبح في المركز الثاني عالميا بنسبة نمو السياح الدوليين؛ محققة رقما تاريخيا في إنفاق الزوار الوافدين إلى المملكة في عام 2023م؛ وذلك حسب بيانات بند السفر في ميزان المدفوعات، بحجم إنفاق بلغ 135 مليار ريال ونسبة نمو 42.8% مقارنة بعام 2022م، مسجلة بذلك فائضا يقدر بقيمة 48 مليار ريال في بند السفر.

يمكننا القول بمشاعر ملؤها التفاؤل والفخر والاعتزاز إن رؤية 2030 نجحت في تحقيق مستهدفاتها قبل أوانها، وأثبتت بعد نظر عرابها وقائد نهضتها سمو سيدي ولي العهد؛ لتقدم للعالم أنموذجا تنمويا فريدا لا مثيل له قديما وحديثا في السياسة والاقتصاد والتنمية والازدهار، ونهجا قويما جديرا بدراسة موسعة من المتخصصين والباحثين الأكاديميين في علوم الإدارة والتخطيط والاقتصاد في أقسام الدراسات العليا في الجامعات؛ لإبراز معالم الشخصية القيادية والإدارية لسمو سيدي ولي العهد؛ لتكون نبراسا للتنمية والتقدم والازدهار لأجيال الحاضر والمستقبل، وإثراء جديدا من نوعه للبشرية في علوم الإدارة والتنمية والاقتصاد.