في 28 من شهر صفر عام 1438، وفي لقاء تلفزيوني شهير، قال محمد الباجي قايد السبسي، الرئيس التونسي آنذاك، عن فترة معاصرته لمؤسس تونس الحديثة، الحبيب بورقيبة، ومشاركته العمل معه، إن الرئيس الحبيب بورقيبة زار السعودية، وتقابل مع الملك عبدالعزيز، الذي سانده في ذلك الوقت مالياً. وكانت المحادثة التي دارت بينهما مهمة، سياسية بامتياز، كانت حول كيفية التخلص من الاستعمار، وكيف يمكن لتونس، وللشعب الصغير المغلوب على أمره وهو تحت الاستعمار، مقارعة فرنسا التي كانت إمبراطورية، وهذه هي «سياسة المراحل» التي عمل بها الحبيب بورقيبة، وهذا الأمر موثق، وكتب نص المحادثة مرافق بورقيبة محمد المصمودي، في كتابه «العرب وسط العاصفة»، وفيها قول الملك له، لا تفعل مثل بقية العرب، يختلفون ثم ينهزمون، وعليك بـ«التؤدة، والعبرة بالخواتم». وقال أرسلت محضر ذلك اللقاء الاستراتيجي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، كما طلب مني ذلك، أي في 2 جمادى الآخرة عام 1436، أثناء زيارتي للمملكة، وبعد عامين من ذلك اللقاء المتلفز، وتحديدا في 19 ربيع الأول عام 1440، وعند زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، للجمهورية التونسية، وبحضوره المهيب، أكد الرئيس السبسي في تصريح مماثل ما ذكره سابقا، وقال: «نحن في تونس مشغولون بـسياسة المراحل«..»سياسة المراحل«من تخطيط الملك عبدالعزيز، رحمه الله؛ عندما التقى الحبيب بورقيبة، قال له، لا تعمل مثل الآخرين، الذين يدخلون في حرب ويخسرونها،»امشِ بالمرحلة«، وبالفعل تم تأسيس ما عرف في تونس بـ»سياسة المراحل«، التي اتسمت بها الكثير من ملامح التجربة التونسية، في الكفاح والحكم وبناء الدولة، بعد الاستقلال في 7 شعبان عام 1375، وصارت السمة المميزة الموضوعية على الساحة السياسية التونسية..

»سياسة المراحل«غير»اختصار المراحل«أو ما يسمى»حرق المراحل«، فالثانية وصفات يصفها الفاشلون، ومحاولات بائسة منهم لتطويع الزمان، وطمس منجزات الآخرين، ومجرد أحلام ودغدغة للمشاعر؛ أما الأولى فهي الفهم الكامل لمسيرة البشر، وتقلبات الحياة، مع اجتهاد تام في البعد قدر الإمكان عن النظرات التشاؤمية؛ فكما أن كل قديم حسنٌ غالبا، فكذلك ليس كل جديد ضارا بالمطلق، ومن يريد السلامة عليه أن ينتهج النصيحة الملكية الخالدة»سياسة المراحل«، مع»التؤدة«، وترك المكاسب الشخصية، والثأر الفكري من الغير، والبحث عن نمط عام، بلا فجوات وجفوات، وعداء وقطيعة وخصومات، ودون انتقائيات بلا وعي، أو اتهامات بلا إدانة، أو انتقادات بلا نقاش.

أختم بأن»سياسة المرحلة«، كما»التؤدة«، التي نصح ووجه وعمد بها الوالد الإمام، جلالة الملك عبدالعزيز- رحمه الله رحمة واسعة- لا تقتصر على السياق السياسي، أو التونسي؛ فهي دستور ضروري لكل إنسان، بغض النظر عن مكانه ومكانته، وتعني القراءة الموضوعية للواقع الحياتي، ووفق التطورات، وتعني الدراسة المعمقة لموازين القوى، وتعني العقلانية والحكمة، وتعني تجنب المغامرات، والصراعات وتداعياتهما، وصدق الحق، سبحانه وتعالى، القائل في الآية 54 من سورة الروم: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.