لا يجد المتتبع لما كتب عن الملك عبد العزيز، ما يشير إلى أنه كان يأبه بالأضواء، أو أنه كان يهتم بما تنشره عن شخصه وسائل الإعلام الخارجية، مدحاً كان ذلك أو ضده، لكن المؤكد أن مستشاريه وسفراء ورجال ديوانه كانوا يطلعونه عليه، فلقد كان يحيط بكل صغيرة وكبير التعلق بدولته الجديدة، وكان يهتم بمختلف الأحداث الإقليمية والعالمية التي تدور حوله، وكان يشعر أنه جزء من هذا العالم، فيقيم حساباته.

ويحدد موقعه في ضوء تلك التطورات .

أما في الداخل، فكان حاكماً واقعياً عملياً، رأى في الاتصال المباشر بالناس - دون حواجز - أمثل أسلوب لمعرفة أحوال شعبه، فاختط لنفسه منهجاً يقوم على الالتقاء اليومي بمن يرغبون في لقائه أو زيارته، وجعل من سياسة الباب المفتوح تقليداً يسير عليه خلفاؤه إلى اليوم، فكان ذلك النوع من الاتصال أول وسيلة إعلامية فاعلة اعتمد عليها لنقل أفكاره والتعريف بأهدافه وتصوراته .

لم تصدر تلك المواقف، عن تجاهل أو تعال أو عدم علم بأهمية وسائل الإعلام، التي عرفها ورأى اعتماد غيره من الزعماء المجاورين له عليها ، لكن قناعاته وتربيته وفلسفته، وطبيعته الشخصية، وطريقته، جعلته يرسم لنفسه خطاً إعلامياً مختلفاً عن كل ما اختطه غيره من الزعماء الذين سبقوه أو عاصروه .

إن طريقة عبدالعزيز، ونظرته إلى الإعلام، مدرسة متميزة المعالم والملامح ، ما زالت تستعاد وتتبع إلى اليوم، والمرجو أن يلتفت الباحثون إلى استكشاف أعماقها وأبعادها ، بقدر يوازي ما يعملونه من التنقيب لاكتشاف مواهبه القيادية الأخرى .

لقد صدر نظامان للمطبوعات في عهده، أحدهما عام 1347هـ (1929) ، والثاني عام 1358 هـ ( 1940) ،

وصدر في عهده - رحمه الله - : - مرسوم بتأسيس الإذاعة ، فجاء - في البلاغة والإيجاز - نموذجاً لفكره وأسلوبه في صياغة التوجيهات، فالمرسوم يعبر عن منهج الملك عبدالعزيز ونظرته إلى استخدامات الإعلام بشكل عام.

وقد تطرق عدد من الباحثين والمفكرين والمؤرخين الأجانب بالذات إلى تحليل فلسفة الملك عبدالعزيز في الحكم، وتثمين نظرته لاستخدام وسائل الإعلام، وأوضحوا أنه لم يكن يفكر في الإعلام وسيلة رئيسية لكسب ولاء شعبه، فلقد كان اعتماد الملك عبد العزيز - ومنذ بداية حكمه - على تطبيقاته العلمية، وعلى اتصالاته المباشرة بالناس، والتي كانت أبلغ لديه، مما يمكن أن تؤديه وسائل الإعلام لدعم حكمه .

1999*

* باحث وإعلامي سعودي «1944-2019».