تهتم المملكة العربية السعودية بحفظ آثارها التاريخية كمدائن صالح في العلا، وحي الطريف بالدرعية، وموقع الفاو، وغيرها الكثير من المواقع التاريخية والأثرية. كما تولي رعاية كبيرة لما يوجد بها من مواقع طبيعية مميزة على مستوى العالم، بما تضمه من تنوع بيولوجي كبير، مثل جزر فرسان، وحرة عويرض، وعروق بني معارض. كما يزخر تراث المملكة غير المادي بالتنوع والثراء والتفرد، فلديها عدد من الفنون الأدائية، والحرف اليدوية، والفنون، والعادات والتقاليد، والمطابخ التقليدية، واللهجات.. قائمة تطول ولا تتكرر في دول أخرى، وسُجل بعضها في قائمة «يونسكو» العالمية للتراث غير المادي، منها القهوة السعودية، والعرضة النجدية، والقط العسيري، وحداء الإبل، والخط العربي، والحناء، وغيرها، فضلا عن مئات القصص التاريخية التي تتعلق ببطولات الأجداد وأحوال المجتمع، والتغيرات التي حصلت ما بين جيل وآخر منذ عهد التأسيس للدولة السعودية على يد الإمام محمد بن سعود عام 1727 م.

يأتي هذا الاهتمام بكل هذا الثراء والتنوع لتراث المملكة المادي وغير المادي، ولقصصنا التاريخية، توثيقا وحفظا وسردا، لأنها جزء من تاريخ المملكة العربية السعودية الكبير، ودلالة على عمق حضارتها، ومكون أساسي للهوية الثقافية للوطن، تعزز الشعور بالانتماء والوحدة الوطنية بين أفراده، وترسخ القيم الأصيلة والمعارف الفريدة، ليتوارثها الأجيال على مر السنين.

إن يوم التأسيس أحد المناسبات الوطنية المهمة التي نعتز فيه بالجذور العريقة للدولة السعودية، ونستذكر تأسيسها منذ ثلاثة قرون على يد الإمام محمد بن سعود، وما تحقق مع هذا التأسيس من وحدة وأمن واستقرار، وما تبعه من استمرار في التوحيد والبناء والتنمية، وانتشار الأمن بين الناس، بعد اتخاذ الدرعية عاصمة للدولة السعودية الأولى، وهو ما أدى للازدهار، وبدء انتشار الثقافة والعلوم المختلفة، وتوثيقها وحفظها.


وما جهود الدولة في حفظ هذا التراث إلا جزء من ذلك الإرث القديم العظيم، ودليل على أصالة هويتنا وعمق حضارتنا. وقد رأينا خلال السنوات الماضية جهودا كبيرة في ترسيخ وتعزيز الهوية الثقافية الوطنية، ونشرها في المجتمع من خلال الحفاظ على الآثار التاريخية في المملكة، وتحويلها لمعالم سياحية بارزة، تأتي لها الجموع من حول العالم، والعناية بالمحميات الطبيعية البرية والبحرية، وحفظ مكوناتها الحية، والتذكير بما نملكه من تراث غير مادي عريق، وتأصيله في نفوس النشء في المناهج الدراسية، وعقد المحاضرات والندوات حوله، وتسميه الأعوام الأربعة الأخيرة بأحدها، جاء آخرها هذا العام تحت مسمى «عام الحرف اليدوية»، الذي يضم تحته قائمة من الحرف العريقة التي تعد مكونا ثقافيا منذ تأسيس المملكة.

ولأن لحفظ القصص التاريخية أهمية كبيرة في تعزيز هذه الثقافة، فقد أطلقت دارة الملك عبد العزيز، ضمن برنامج «أنتمي»، مبادرة «تاريخنا قصة»، لسرد القصص التاريخية الوطنية بأسلوب روائي أدبي من أجل إبراز التنوع الجغرافي والثقافي للمملكة، وتعزيز الانتماء لها. كما نشأت بعض المبادرات الفنية الواعدة كفكرة «تخليد»، التي تهدف إلى تجسيد الموروث القصصي التاريخي برسوم فنية، تعرض الآن في معرضها الأول بعنوان «تضحيات خالدة» في جاكس - الدرعية، لاكتشاف تجارب بصرية تاريخية تبين العمق الثقافي السعودي.

العناية بالهوية الثقافية الوطنية، بكل ما تملكه من تنوع وعمق يمتد على مساحة هذا الوطن الشاسع، أحد أبرز العناصر التي ينبغي أن تبرز أكثر، وألا تكون جهدا وطنيا من الجهات التي تعمل في القطاع الثقافي والتاريخي وحسب، بل مكونا تعليميا ومعرفيا تسهم فيه مراكز الأبحاث، ويلتفت له الباحثون في الجامعات السعودية، وتفتح له الأقسام الدراسية بعد تصميم مناهج دراسية خاصة به، وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى مزيد من فهم التاريخ الوطني، وتطوير الأدوات المهارية والمعرفية، للعناية به، ويسهم في تنمية الوعي الثقافي الوطني لدى الشباب، وتوثيق ارتباطهم بتاريخهم وهويتهم، وحفظ الذاكرة الجماعية للمجتمع، ومنع نسيان العادات والمعارف التي نملكها في عصر الإيقاع السريع والمتغير.

كما سيؤدي توسع الاهتمام بالثقافة الوطنية للمملكة إلى تعزيز الحوار والتبادل الثقافي بين المملكة ودول العالم، ونشر صورة إيجابية تنقل عمق الحضارة وعراقة الأصالة التي لدينا، وتنشيط الصناعات الحرفية التقليدية، وجذب مزيد السياح، لاكتشاف التراث المادي والطبيعي الذي تضمه المملكة، واستقطاب الفعاليات الثقافية والعلمية التي تدور حولها، وجميعها ستسهم في التنمية البشرية والاقتصادية للمملكة.