سأقولها بكل وضوح -أو حدة كما يعتبرها البعض- الكذب هو أن تقول ما لا يطابق الحقيقة بنسبة 100 %، إذا نزلت النسبة كما هي الحال في نصف الحقيقة وشبه الحقيقة، يصبح كذبًا، وإخفاء جزء من الحقيقة يعني تغيير معالمها كليًا، وهي أكثر خطورة من الكذب كليًا. لأن ما يتم إخفاؤه هو الجزء الذي يحمل قلب الحقيقة أو تأثيرها الأعلى، لذا لا تحاول التبرير بأن للكذب أنواعًا وحالات و و و..، لا أقبل الأنواع والأشكال وتعددها التي تجيزون بعضها لمصالحكم، وتجرمون بعضها، أيضًا لصالحكم. والمضحك أن (الصالح) لك هو (ضرر) للطرف المقابل في الموضع نفسه، لذا لا تظلم غيرك لتحمي نفسك أنت من الظلم!، لندخل في صلب الموضوع.

أنت كاذب بالضرورة، إذا سألوك عن حالك؛ قلت إنك بخير، والحقيقة أنك لم تنم بالأمس من هم أو جرح أو خوف أو حاجة، وإذا دخلت إلى مقر عملك أو تجارتك؛ تسلم على الجميع بكل ود واحترام، وهناك شخص -على الأقل إن لم يكن أكثر من ذلك - لا تطيق حتى رؤيته من سوء أخلاقه أو تعامله. وإذا ذهبت لمراجعة جهة ما لمتابعة معاملة أو الحصول على موافقة ما، ستشكرهم كل مرة على خدمتهم وتقدم امتنانك، رغم أنك انتظرت عدة أشهر صعبة، وتوقفت بعض التزاماتك وتعرقلت حياتك بسبب سوء إداري وتنظيمي، وهذا السوء جعل زياراتك لهم «تجربة حية» لاختبار صبرك لأقصى حدوده،.. والقائمة تطول. فتخيل أن تكون صادقًا في المواضع التي ذكرتها أعلاه؟، ضع ردود فعل افتراضية، غالبًا ستظهر ضعيفًا ومهتز الشخصية وغير ناضج، أو لا تقدر ظروف الآخرين كحد أدنى!

‏بما أننا جميعًا كاذبون، هل يعني هذا أننا مجتمع غير أخلاقي لأنه ينتهج صفة سيئة أو غير أخلاقية؟ وإذا أصبحنا نعتقد الآن أنه ضرورة في هذه الحياة حتى تستمر. هل يعني هذا أن الكذب تم تشويهه بسبب منطلق جاهل؟ وأن الكذب أصلا هو الذكاء الاجتماعي؟

لمن يتبادر لذهنه الآن أني أجمّل الكذب، مقابل تأثيره الكارثي حقوقيًا وقضائيًا! عزيزي القارئ.. القضاء لا تعنيه الأخلاق فهي مجرد قرائن، لكن سيحكم بالأدلة وهي الأفعال، أما قضايا «اليمين الغموس» التي تصدر حكماً لصالح الكاذب دومًا، يتحملها المدّعي «الإمعة» الذي سلّم حقوقه دون ضمانات، ودرس يجب أن يتعلمه لينتهج الحرص مستقبلا.

أخيرًا.. «الذكاء الاجتماعي» هو المحطة الإبداعية الأخيرة في مراحل إتقان فن (الكذب)، والذكي هو من يتقنه أمام الجميع دون استثناء، نعم «الكل» إن كنت تعتقد ألا أقصد ما ذكرته سابقًا بالحرف!