مرآة

حار الناس فيه، أهو ذكي أم غبي؟ له عبقرية الأذكياء وتصرفات المجانين، أهو مظلوم أم رئيس عصابة لصوص؟ فيه براءة المجني عليه وسمات الجناة، أهو شجاع أم جبان؟ فيه اندفاع النمور وتقهقر الفئران، أهو عالم بما يجري حوله أم كالزوج آخر من يعلم؟ فهو مبصر وأعمى، وحي وميت، ارتفع إلى السماء وهوى إلى الأرض، كسب كل شيء وخسر كل شيء، كلاعب قمار مجنون أراد أن يكسب المجهول فخسر المعلوم.

إنه مرآة بيضاء إذا اقترب منها الوطني ارتسمت فيها صورة الوطني الكبير، وإذا اقترب منها صاحب الأحلام انطبعت عليها صورة رجل يبحث عن مجد عريض، وإذا اقترب منها لص بدت وفيها رسم زعيم عصابة لصوص.

وهذا هو ما يحير الناس، فالإطار لا يتغير، والصورة تتبدل وتتغير، تشق طريقها وتتعثر، ويحسب الناس أنه مثل الممثل القديم «لون تشاني» له ألف وجه.. والواقع أن المرآة واحدة.. والذين يطلون فيها يتغيرون.

تمثال

تمثال جميل في أي صالون، عريق في قدمه كأنه من تماثيل توت عنخ آمون، يجذبك مظهره ويعجبك منظره، وترضيك أناقته، وتدهشك شياكته، وقد غلب عليه النظر والمظهر، وطغت عليه الأناقة، فلم تترك مكانا لغيرها.

ولكنه رجل طيب وتصرفاته تصرفات الناس الطيبين، فهو لا يكذب، ولا يخدع، ولا يشتغل في الظلام، ولا يلعب وراء الستار، وهو لا يتلون بتلون الوزارات كما يفعل بعض الناس.

ولولا أناقته وحبه للمظاهر، لاستطاع أن يكون كاهنا في محراب السياسة.. هذا المحراب الذي تحول فجأة إلى كباريه، ولكنه يصر على ارتداء الردنجوت، ويأبى أن يرتدي ثياب الكهنوت.

شديد الاعتزاز بكرامته، كثير التحدث عنها، وقد يكون متكبرا حقيقة.. وقد يكون كما قال ديماس «احذر من المرأة التي تتحدث عن الشرف كثيرا».

من هو؟

الصامت البليغ

نحن أمة من الثرثارين، تتكلم كثيرا فنخطئ كثيرا، والذي يجلس بيننا صامتا نعتبره داهية وحكيما وعبقريا منقطع النظير، تماما كما تحكم في شؤون الجمال فنحن أمة من السمر كل شقراء فيها ملكة للجمال.

وهذا الرجل عرف سرنا فسكت، حضر المجالس دون أن يفتح فمه إلا بابتسامة يفسرها كل واحد منا على ما يهوى ويعتقد، ويترجمها كل فرد منا على أنها حكمة بليغة أو آية كريمة، أو نهاية ما يصل إليه الدهاء.

وهو يظن بهذه الطريقة أنه يقلد الدهاة الذين لا يتكلمون.. وقد نسي أن الداهية الصامت هو داهية قبل أن يكون صامتا.

هو مجلد ضخم مؤلف من عشرة أجزاء كل جزء منها أنيق التجليد، بديع الإخراج مصقول الورق، ولكنه أبيض الصفحات.

هذا المجلد موضوع على الرف.. يعجب به كل الناس دون أن يقرؤوه.

من هو ؟!

1981*

* كاتب صحافي مصري «1914-1997».