ثمار اليوم هي بعض نتاج الأمس، فقد أينع الغرس، وتعمق الجذر، واشتد الجذع، وآتت ملاحم الأمس أُكلها في كل شأن.

هكذا نعيش يوم التأسيس باحتفائية وفأل واستبشار بالمستقبل، قريري العين بهذه الهوية الوطنية السعودية الضاربة في عمق التاريخ، والمستشرفة للمستقبل منذ عهد باكر، حين كانت الكثير من الهويات في مراحل ما قبل التشكل، وكان العالم في حالة بحث عن جذر سياسي ووطني يبني عليه أمجاده.

في ذلك التاريخ، وتحديدًا في العام الهجري 1139، بزغت ملامح التأسيس حين قام، الإمام محمد بن سعود، بوضع لبنات الدولة السعودية الأولى، لتكون النواة لتاريخ قادم مليء بالإنجاز والنماء والازدهار.

ثلاثة قرون تضرب بعمقها لتشكل هوية الإنسان السعودي اليوم، شاهدة برسوخ أقدام هذا الإنسان ودولته في الخارطة السياسية والبشرية في هذا العالم، ومؤكدة أصالة هذه الدولة، وصلابة بنيانها الذي سبق في النشأة الكثير من الكيانات الماثلة الآن.

إن مسيرة الحاضر المضيء تسفر بمعطياتها عن حياة حضارية زاهية ومتقدمة، يعيشها الإنسان في ظلال المملكة العربية السعودية، وتبشر بمستقبل أكثر إشراقًا لحياة المواطن في عالم الغد، لكن الالتفاتة لما شهدته هذه الأرض من جهاد الأمس، وأيام السعي الشاق والعمل الكبير، والتضحيات الجسام التي أنتجت واقعنا اليوم، هي دروس نسترجعها لنعرف أن من يزرع جدير بأن يحصد، وأن الهوية المتينة لم تأت من فراغ، إنما بتضحيات وقوة وعزم، ليشمخ إنسان الوطن في عالم اليوم، بهوية ذات عراقة وقوة، اكتسبت ملامحها عبر التأسيس خلال قرون من الحلم والعمل الجاد لتحقيقه.

لقد كان هدف الإمام محمد بن سعود، وهو يؤسس الدولة السعودية الأولى، هو بناء كيان سياسي يحقق الوحدة والازدهار والاستقرار، ويتبنى تنفيذ أحلام الإنسان على أرضنا، مستهدفًا السعي لغد زاهر بالخير لذلك الإنسان ولأبنائه وأحفاده على مر السنوات.

ومثلما كانت تطلعات التأسيس، نتطلع الآن إلى غدٍ مشرق بالعمل على اقتحامه بأدواته المتجددة، فقد كان التأسيس بداية للتطلع إلى مستقبل عاشته أجيال سبقتنا وكنا نتاجها، لتكون هذه الأرض عنوانًا مستدامًا لكل ما يتطلع إليه الإنسان من رغد عيش وعلو مكانة.

لقد أحسن قائد الأمة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، يحفظه الله، وهو يصدر أمره الملكي الكريم بأن يكون يوم 22 فبراير من كل عام يومًا للتأسيس.. فقد كان القرار التفاتة بارعة من زعيم سامق القوام والمقام، للتذكير بهوية منيعة التكوين، صلبة التأسيس، وطموحة الأهداف والمقاصد، تكشف عن عراقة مملكتنا، وأرضيتها الراسخة في التاريخ، ومتانة عتباتها التي تقود على الدوام إلى المستقبل بكل آفاقه الرحبة.

إنها مناسبة عظيمة، نجدد فيها النظر إلى عراقة ما شهدته هذه الأرض من جهد مبكر في البنيان، وإلى تضحيات كبرى شهدتها مرحلة التأسيس، قادها الإمام المؤسس محمد بن سعود، لترسم معالم الهوية التاريخية لإنسان هذا الوطن، ولتكون مملكتنا اليوم نموذجًا للغرس السليم المنتج للحضارة والنمو والازدهار في عالم اليوم.

حفظ الله المملكة العربية السعودية، وسدد خطاها وهي ترنو لكل ما يسعد أبناءها، وأمدّ بعونه وتوفيقه قيادتنا الكريمة وحادي ركبها خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمير، محمد بن سلمان، يحفظهما الله.