يعد فيلم «الرقص مع الذئاب»، بطولة وإخراج الممثل الأمريكي كيفن كوستنر، والمستوحى من رواية بالعنوان نفسه، صدرت عام 1988 للكاتب الأمريكي مايكل بليك، من الأفلام المهمة في الثقافة الغربية، فقد اختارته مكتبة الكونجرس ليكون ضمن أرشيفها الوطني كواحد من أبرز الأعمال الدرامية من الناحية التاريخية والثقافية والجمالية. فاز الفيلم بعدة جوائز وأهمها جائزة الأوسكار المعروفة. يتناول الفيلم حقبة الحرب الأهلية الأمريكية باعتبارها خلفية تاريخية للفيلم ويحكي قصة ضابط في الجيش يسافر إلى أحد المراكز العسكرية على الحدود ويجاور قبيلة من السكان الأصليين ويتأثر بهم. قصة الفيلم تبدو للوهلة الأولى بأنها مجرد تصوير لمعاناة الهنود الحمر وصراعهم مع الرجل الأبيض، ولكنها في واقع الأمر ليست مجرد سرد بسيط لأحداث سياسية وتحولات ديموغرافية في القارة الأمريكية، فقضية السكان الأصليين كانت ثانوية في فكرة الفيلم الرئيسة.

تعددت التفسيرات لقصة الفيلم وأحداثه ومع ذلك يندر قراءة الفيلم من زاوية دينية باعتباره يحكي عن العلاقة الأزلية بين الإنسان والطبيعة، وعند الحديث عن العلاقة الدينية بين الإنسان والطبيعة يلزم علينا التدقيق واكتشاف الأفكار المتعلقة بعقيدة وحدة الوجود المضمنة في الفيلم. عقيدة وحدة الوجود كانت فكرة محورية للقصة. فاهتمام المخرج بتصوير جمال ومظاهر الطبيعة من سهول وجبال وأنهار وكائنات حية وتركيزه عليها لم يكن عفويا أو عابرا. في أحداث الفيلم يعيش الهنود في حالة وئام وانسجام تامين مع الطبيعة وكأنهم جزء متداخل ومندمج معها. وبسبب علاقتهم الحميمة مع الطبيعة لم يصورهم الفيلم كمخلوقات همجية ومتخلفة دائما فقد أظهرهم أحيانا باعتبارهم بشرًا مسالمين يتمتعون بمعايير أخلاقية عالية. فهم يحملون وعيًا كبيرًا بالطبيعة ومسؤولية تجاهها ويحترمون حقوق وقيم جميع أشكال الحياة، ويعيشون ضمن إطار المنفعة المشتركة معها ومظاهرها.

أراد كاتب القصة والقائمون على الفيلم الإشارة للعلاقة الروحية بين الإنسان والطبيعة، وأن البشر ليسوا سادة للطبيعة في الحقيقة بل جزء منها، أي إن الطبيعة البشرية يجب أن تتماهى مع كل كائنات الطبيعة ومظاهرها للحصول على خلاصها الذاتي. في الفيلم نجد مناهضة لخطاب الحداثة على أنه نضح للذات الإنسانية واستقلال للعقل البشري لأنه يضع الطبيعة خارجًا، ويجعل من الذات (أنا مغلقة). الحداثة الغربية في الواقع تعزل الإنسان روحيًا وتحرمه من التماهي مع الكائنات غير البشرية فالطبيعة من حولنا ليست مستقلة عن ذواتنا البشرية. في الفيلم نجد التعبير عن فكرة الخلاص أو البحث عن الذات من خلال بطل الفيلم جون دنبر الذي جسد شخصيته الممثل كيفن كوستنر وقصة مغامرته في البرية على الحدود الأمريكية وعلاقته الحميمة مع الذئب وصداقته الودية مع السكان الأصليين شكلت مرحلة أولية لتحقيق ذاته وأثرت بشكل عميق في موقفه تجاه الطبيعة والحضارة الإنسانية.

العزلة في البراري وسط أحضان الطبيعة تشبه تجربة العيش في عالم افتراضي يغيب فيه الآخرون، تضع الإنسان في مواجهة مباشرة مع الطبيعة وفي تناغم روحي وجسدي معها ومثل هذه التجربة كفيلة بأن تحقق للإنسان توازنه وتعيد له براءته المفقودة. في أحضان الطبيعة يكتسب بطل الفيلم ولادة جديدة ويتعلم أن وحدة جميع الكائنات الحية هي جوهر الطبيعة. قصة الفيلم تؤكد الإيمان بعقيدة وحدة الوجود بكل وضوح وهي عقيدة محورية في الثقافة الغربية منذ العصر اليوناني وحتى عصرنا الحديث، ويمكن القول إنها أساس الفكر الفلسفي عند الشعوب اليونانية وعند فلاسفة أوروبا، وبالتالي فإن فهم العلاقة التاريخية بين عقيدة وحدة الوجود والثقافة الغربية سيحقق لنا فهمًا أفضل للفلسفة وتاريخها باعتبارها أداة لتفسير المعتقدات الدينية.