تتكرر هذه الأيام مشاهد اعتدنا مشاهدتها فترة طويلة، وهي مسرحية الفصائل الفلسطينية التي تبدأ حربا لا تنهيها، ويدفع ثمنها الأبرياء، ولا أنسى فيديو تلك السيدة التي ترثي ابنها وتشتم، ثم أسكتها الحاضرون!.

استثمرت الفصائل الفلسطينية وآمنت بأن العمل الحربي غير المنظم وغير المتسق مع السياسة والمصالح المشتركة في المنطقة هو الحل، ورأينا نتائج حلولهم مرة بعد مرة، حيث إن الدعاية السلبية غير الصحيحة لا تخلق جماهير للقضية.

إيمان الفصائل الفلسطينية بعبثية الأيديولوجيات التي لا تخدم مثل الإخونجية هو سر بقاء هذه القضية غير محلولة، فلو استثمرت الفصائل الفلسطينية طول سنوات القضية في ابتعاث أبناء فلسطين بدل الحجارة، لصنعوا مقاومة ثقافية مستدامة قادرة على خلق تغيير على المدى الطويل. كما أن الفساد المنتشر في السلطة الفلسطينية والفصائل مستشر، وأعجب من قضية عدد محاميها أكثر من انتصاراتها.


ظلت السياسة السعودية كقائدة للعالم العربي والإسلامي مع فلسطين قلبا وقالبا، وطابعها الهدوء والدعوة للسلام، إلا أن ذوي السلطة والفصائل في فلسطين على تعددهم وتعدديتهم لا يريدون السلام، فمع كل مبادرة سلمية يخرج الفلسطينيون بطريقة ما، لإفشالها.. لماذا؟ الأمر بسيط، عاشت أجيال كثيرة من الفلسطينيين على هذا الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ونجحوا في لعب دور الضحية وأتقنوه، وهم يعيشونه يوميا، فأصبحت متلازمة سياسية نفسية. العرب، ومعهم بعض مثقفيهم والمؤمنين بالإخونجية، يتساءلون: لماذا لا يتظاهر السعوديون كمثل بعض شعوب الدول العربية؟ يؤمن السعوديون بالنظام ويحترمونه، ويلتفون حول القيادة الحكيمة التي على الرغم من مهازل الفصائل الفلسطينية مؤمنة بالعمل الجاد السياسي الذي لا ينتهي، وذلك لمصلحة أبرياء فلسطين. يؤمن السعوديون أن الشعارات وإطلاق الصراخات لا يصنعان السياسة. شاهد العرب ذلك بأنفسهم حين دمرت الإخونجية بلدانهم، ثم صحوا بعد الغفوة، ليجدوا أنهم ليسوا صادقين مع أنفسهم، فكيف يصدقون أشخاصا يرتدون عباءة التدين المتشدد وهم يؤمنون بالنموذج الغربي ويعيشون فيه؟!.

يريد لنا بعض العرب الخروج بمظاهرات، وماذا فعلت هذه المظاهرات؟ ماذا فعلت مقاطعات المطاعم العالمية؟ السياسة ليست مقاطعة مطاعم.. السياسة ليست فوضوية عبثية. المثقف العربي والإخونجي الذي يعيش أزمة فكرية مزمنة، وأفضل ممثل فيها أخيرا هو أدونيس، فبعد زيارته السعودية ينتقدها من خلال برجه العاجي، ولا يدرك أن السعودية وبقية دول الخليج تجاوزوا بمراحل بعيدة جدا الدول العربية قاطبة، فاليوم السعودية تنجز فيها كل الخدمات الحكومية من منزلك، وهي قائدة للفكر العربي.

نقد السعودية أصبح مادة سهلة، فظهرت الانتقادات على موسم الرياض، وهو موسم ترفيهي لم يتوقف في أثناء الحرب في اليمن، فلماذا يتوقف الآن؟ وهل إيقاف الترفيه يجعل قضية فلسطين ناجحة؟. بالطبع لا، فالتعاطف لا يصنع الحلول، ومن غير المستغرب أن الانتقادات لم تطل احتفالات المئوية أو احتفالات الجاز في الدول المجاورة..إلخ.

لعل من العجائب أن نجد بعض العرب ممن يعملون في السعودية يمارسون أفكارهم في مخالفة صريحة للقانون، لتمرير أفكارهم السياسية العبثية في مقاطعة المطاعم، ولكن الجهات المختصة والوعي الجمعي السعودي لهما بالمرصاد، فكل من تسول له نفسه ممارسة الإقصاء وإظهار الانتماء للجماعات الإرهابية كالإخوان فلن يجد إلا مطرقة العدالة وسندان القانون. لعل النصيحة التي أنصحها لفصائل الفلسطينيين هي كالتالي: تعلموا من الهدي النبوي ووثيقة المدينة، فلستم تتبعون النهج النبوي، ورؤساؤكم ينعمون في ملذات الدنيا معزولين عما يحدث في أرض الواقع.