ومثلت مبادرة «أسرة مستقرة» التي أطلقها برنامج «سند محمد بن سلمان» حلقة جديدة في سلسلة حرص القيادة الرشيدة على تلمُّس احتياجات مواطنيها وتقديم الدعم اللازم لشريحة واسعة سوف تستفيد من حزمة متنوعة ومدروسة من المنتجات والمشاريع التي تشتمل على مجموعة كبيرة من المبادرات الأهلية والاجتماعية غير الربحية، بما يؤكد الحرص على كل ما فيه مصلحة الأطفال والأمهات وتزويدهم بالأدوات التي تعينهم على الاستقرار، وتنمّي بداخلهم الوعي المجتمعي.
هذه العناية الواضحة تستمد أهميتها من توجّه المملكة نحو تعزيز دور القطاع غير الربحي وتعظيم أثره المجتمعي، بحيث يتولى تنظيم العمل الاجتماعي وفق أسس حديثة ومعايير حديثة تواكب المتغيرات وتستصحب مفردات العصر، بعد أن كان يتم في السابق وفق مبادرت فردية واجتهادات شخصية، مما يعني ترسيخ المؤسسية والحوكمة وجعلهما جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المجتمع.
اللافت في المبادرة هو أن عناصرها المتعدّدة تقوم بتنفيذها جمعيات خيرية عصرية غير تقليدية تضم في عضويتها طبيبات ومتخصّصات في مجالات التثقيف الصحي والعناية بالأسرة والصحة النفسية والإنجابية وغير ذلك من الجوانب التي تهم الفتيات والنساء، لا سيما المقبلات على الزواج، بهدف تهيئتهن لهذه المرحلة من حياتهن وتزويدهن بالمعلومات المفيدة التي تساعدهن على تعزيز الإيجابيات وتجاوز السلبيات بما يؤدي حقيقة إلى وجود أسر مستقرة.
هذا الفهم المتطوّر سوف تكون له دون شك آثار إيجابية كبيرة تنعكس على مجتمعنا وتؤدي إلى زيادة الثقافة الحياتية وتعزيز الوعي الصحي والأسري السليم بمتطلبات مرحلة الطفولة المبكّرة، وصحة الطفل الرضيع، حتى اللاتي تأخرن في الإنجاب فسوف يحظين عبر جمعية «إنجاب» بالمتابعة الطبية وإجراء العمليات في أبرز المراكز الطبية العاملة في المجال، فأي رعاية واهتمام وعناية يمكن أن تفوق ذلك؟
ولم تغفل المبادرة الفريدة جانب الرخاء المجتمعي الموجّه لدعم الأرامل والمطلقات وأسر الضمان الاجتماعي، حيث تفتح أمامهن أبواب الرزق وتتيح لهن فرصا واسعة عبر تمكينهن من اكتساب المهارات وتعلّم الحرف اليدوية التي سوف تدر عليهن دخلا يكفيهن مشقة الاعتماد على الجمعيات الخيرية، وتسهم في تمكينهن من ابتكار وتسويق منتجات عصرية مستلهمة من التراث السعودي.
ومع كل هذه المكاسب الكبيرة التي تقدمها المبادرة، إلا أنني أرى أن المكسب الأكبر والأكثر أهمية يكمن في أنها تسهم في تحقيق هدف طال انتظاره وهو مساعدة القطاع غير الربحي، ليس لتحقيق أهدافه الإنسانية فقط، بل للوصول إلى مرحلة الإدارة الذاتية المحترفة، والاعتماد على نفسه والتحول إلى مرحلة العمل المؤسسي.
لذلك يمكن القول بمنتهى الدقة إن مجتمعنا السعودي موعود بنقلة غير مسبوقة في تاريخه، بسبب الدعم الكبير الذي توفره هذه المبادرة وتنوع الفئات المستهدفة، والأهداف التي يراد تحقيقها، والنظرة التي تختلف كل الاختلاف عما كان متبعا حتى وقت قريب، فمفهوم الدعم كان محصورا فقط في المساعدة المادية أو العينية للإيفاء بالاحتياجات الوقتية، لكن الدعم الذي تقدمه هذه المبادرة النوعية يختلف اختلافا جذريا حيث يعنى بتعزيز المفاهيم العصرية والحديثة وتمليك الفئات المستفيدة الوعي والنظرة الشاملة للحياة.
كذلك فإن من أبرز عناصر قوة المبادرة أنها موجّهة لمعالجة مشكلات وقضايا ظلت تشكّل بالنسبة لنا هاجسا طيلة الفترة الماضية، فالمجتمع السعودي هو مجتمع عائلي بامتياز، لكن نسبة لغياب الوعي بكيفية التصرف عند وقوع مشكلات بين طرفي العلاقة الزوجية، وعدم القدرة على التصرف السليم في كثير في المواقف، فقد ارتفعت معدلات الطلاق إلى أرقام مقلقة. فالدراسات تشير إلى أن أسباب كثير من الحالات لم تكن مادية، بل لعدم توفر الوعي وغياب الفهم الصحيح.
لذلك فقد استصحبت مبادرة «أسرة مستقرة» كل تلك المعطيات، ونبعت من داخل المجتمع عبر إحدى منظمات المجتمع المدني الرائدة، وذلك لتحقيق هدف رئيسي هو تعزيز المعرفة والتوعية، سعيا إلى تنمية المجتمع وأفراده لتركيز الأثر الفاعل وضمان استدامة أثر العطاء على المجتمع والوصول لحياة كريمة ومستقرة، عبر مبادرات تنموية واجتماعية، توفر المساندة وتقدم الدعم المعرفي في إطار عملي واضح وآليات محدّدة تحقّق العيش الكريم وتضمن توفير التنمية المجتمعية.
هكذا تجني بلادنا ثمار رؤية المملكة 2030 التي أدهشت العالم بتركيزها الواضح على ضرورة إحداث تغيير إيجابي في بنية المجتمع، ووضع حلول ناجعة للمشكلات التي يعاني منها مجتمعنا. ففيما كان الآخرون ينظرون إليها على أنها مجرد برنامج تحديث اقتصادي يركز على الاستثمارات المادية، فقد كانت حكمة قيادتنا الرشيدة تنظر نحو أهداف أعمق أثرا، وأدركت بصواب رؤيتها أن الأولوية ينبغي أن تعطى لتنمية الإنسان أولا وتعزيز مهاراته.
فأي تنمية اقتصادية أو نهضة تجارية لن يكون لها أثر يذكر إذا لم تكن موجّهة بالأساس نحو إنسان مستقر يعيش حياة سوية ويتمتع بوضع اجتماعي مريح، ومهما كانت النتائج كبيرة فإنها ستظل بلا جدوى وسيكون تأثيرها محدودا. لكن بإصلاح المجتمع فإننا نكون قد قطعنا أولى الخطوات نحو تحقيق النماء والازدهار.