تنطلق جموع غفيرة من المسلمين حول العالم متجهين إلى مكة لأداء مناسك الحج، وزيارة مهبط الوحي، بما يبعث فيهم أسمى معاني الإيمان، ويرافقهم شعور عامة المسلمين بالفرح والغبطة لهم، وهم يرون حجاج بيت الله الحرام يؤدون طاعة ربهم، مقدّرين ما توفره لهم السعودية من أمن وتنظيم ورعاية وسهر على راحتهم، إلا أن هذه المشاعر لا تمتد إلى من يغيظه هذا الاجتماع المهيب، فيسعى لجعل الحج موسمًا لحملاته السنوية على السعودية.

فنشرت (أسوشييتد برس) مقالة للكاتبة ريزات بوت تتحدث فيه عن مساهمة الحج في تغيير المناخ لعقود قادمة، بحجة الانبعاثات الغازية من الطيران، معتمدة على دراسة في (ملبورن) عن موسم الحج لعام 2018، بأنَّ الموسم أنتج 1.8 مليون طن من غازات الاحتباس الحراري، أي أنه خلال 5 أيام عادل الكمية التي تبعثها مدينة نيويورك خلال أسبوعين، وفي هذا العرض تحايل إحصائي!.

إذ يتجاهل أنَّ ما تنتجه نيويورك هو انبعاثات يومية على مدار العام، بخلاف الحج فهو أيام معدودات في السنة، وبهذا ترمى التركة الصناعية اليومية لتحميلها على الحج، وكان ينبغي عرض النسبة سنويًا مقابل نيويورك، وفي هذه الخطابات ما يغازل مجموعات اليسار المتنوعة لتوجهها بدلًا عن الدول الصناعية الكبرى إلى السعودية، كمصدر مزعوم لتهديد المناخ العالمي، وهو ما لا أساس له، ولذا يتم التلاعب في عرض الدراسات.


هذا الخطاب يردفه آخر لم يفوت الحج، للحديث بعيدًا عن تعظيم حرمات الله إلى لغة الأحقاد واستغلال الدين لصنع بروباغندا ضد السعودية، تزعمها عدد من خطباء جماعة الإخوان الإرهابية، فشنوا حملة على السعودية لصد الناس عن البيت الحرام، بما يتخطى جميع الخطوط الدينية والأخلاقية، وهو ما سلكته الجماعة من قبل، حين أفتى أحد المتطرفين وهو الصادق عبد الرحمن الغرياني بعدم جواز الحج والعمرة لمن فعلهما مرة واحدة في حياته، بحجة وجوب الامتناع عن دفع الأموال إلى السعودية، وهو نفسه الذي أفتى بوجوب منح تركيا الأولوية لنفط ليبيا، ووجوب دعم الاقتصاد التركي، وهو ما يظهر أنَّ ما يصدّرونه إنما هو خطاب سياسي صرف يستغل الدين، ولا يعرف متى يقف، حتى ولو كان على حساب شعائر الله.

ومع تصاعد الأحداث في الضفة الغربية، واستحداث البؤر الاستيطانية بصورة يومية، لم يجد الإخواني كمال الخطيب في ذلك مادة لخطبته للجمعة، بل كان همّه مهاجمة السعودية في خطبة مخصصة عن الحج، وهو ينطلق في توقيت محدد مع مجموعات إخوانية متنوعة يتركز بعضهم في بريطانيا همهم صناعة دعاية مضادة للسعودية، ولا شك أنَّ جماعة الإخوان ترى أنّ التضييق عليها بلغ حدودًا قصوى، إذ لم يعودوا ينظرون إلى الحج على أنه موسم يقدرون فيه على تحقيق مصالحهم ومبتغاهم، فلا يقدرون على استغلاله لإمدادهم ماليًا، ونشر أفكارهم كما يحلو لهم، إنما هو عبادة وتوجه إلى الله، لا إلى أحزابهم، وميليشياتهم التي ضيقت السعودية الخناق عليها.

وليس غريبًا على الخطاب المتطرف أن يسعى لاستغلال الأيام المعظمة بين أهل الإسلام، فقد كانوا يعوّلون على العاطفية الدينية، واصطياد عدد من الأغرار الذين لم يعرفوا أنَّ منهج دينهم هو الوسطية والاعتدال، وأنه يأمرهم بخصام أهل الغلو والتطرف، وفي الحج يجتمع عدد هائل من المسلمين في مكان واحد، وهو ما يفرض العديد من التحديات والصعوبات، ورغم هذا فإنَّ تلك التشنجات التي يطلقونها اليوم إنما هي علامة على يأسهم من استغلال أيام الحج لمآربهم، وهو أثر لنجاح السعودية في تنظيم الحج، رغم ضخامة الأعداد، فهي أهل للمسؤولية بما يقطع الطريق عليهم.

ليجتمع المسلمون في هذه الأيام في أطهر بقاع الأرض، ملتحمين بمنّة الله عليهم إذ جعلهم إخوة في الدين، ويعرف المنصف قدر الجهود الكبرى التي تبذلها المملكة العربية السعودية في خدمة ضيوف الرحمن، وإبعاد أهل التطرف عن استغلال هذه الأيام، لإحداث الفتن، أو تصيّد حديثي العهد بإسلام ليلقوا بهم إلى مهالك الأنفس والأوطان، وتبقى السعودية سائرة على رؤيتها في تطوير خدمة الحجاج، وزيادة أعدادهم، بما يمنحهم أفضل الخدمات لتحقيق طاعة الله عز وجل، وما يضمن لهم سهولة التنقل والمبيت، والحرص على سلامتهم، حتى يعودوا إلى أوطانهم، أعانهم الله على طاعته، وتقبّل منهم.