عندما قدم الفنان فؤاد المهندس -رحمه الله- دور المعلم في أحد مسلسلاته، سأل الطالب عباس ماذا تعرف عن مصر فأجاب.. مصر هي أمي بها ولدت وعليها ترعرعت...إلخ، فشكر المعلم الطالب ثم سأل طالب آخر ماذا تعرف عن مصر؟ فأجاب هي أم عباس.

كان المسلسل في ذلك الوقت وبشكل كوميدي يناقش مشاكل التعليم ومسؤولية تغيير فكرالأجيال وإطلاق العنان لقدرة الطالب على التفكير والتعبير واختيار مفرداته، منذ ذلك الوقت والتعليم في العالم العربي لم يتغير، فكل الاهتمام يرتكز على تلقين الطالب ليكون قادرًا على حفظ الأرقام والأحرف والألوان دون محاولة التفكير فيما تعنيه، وكيف يمكن الاستفادة منها في أشياء أخرى.

في جامعة هارفارد بدأ العمل منذ سنوات على تعليم الأطفال من خلال اللعب التفاعلي «وليس الألعاب الإلكترونية» لبناء عقولهم وأفكارهم، لقد نهج مركز تنمية الأطفال في هارفارد ومراكز عالمية أخرى في الاعتماد على أن ألعاب التواصل والتفاعل والتعليقات المتناوبة والأسئلة والاستفسارات تساعد في بناء الاتصالات العصبية في دماغ الأطفال، لا سيما في بناء قشرة الدماغ في مقدمة الجبهة، والتي هي مسؤولة عن التحكم في إدارة المشاعر وحل المشاكل ووضع الخطط وتحديد المخاطر والتعامل معها، ومركز هارفارد يعتمد بشكل أساسي على أن اللعب هو عمل شاق يقوم به الطفل ويحتاج إلى بذل المجهود ليكون ذلك الطفل بارعًا في أداء المهمة وإنجازها بالشكل الصحيح، فمثلا بناء برج المكعبات والذي قد يسقط مرات عديدة هو بالنسبة لنا كبالغين أمر قد يشعرنا بالملل وأنه مضيعة للوقت، ولكنه لذلك الطفل يعني تحديًا كبيرًا يجب عليه إنجازه حتى يتأكد من استقرار المبنى وصموده، ويرى العلماء أن مثل هذه المبادرات هي مثل الغذاء الخارق للدماغ.


لا شك أن كل مسؤول تعليم يريد أن يكون تلاميذه هم الأفضل، وكل مجتمع يسعى إلى أن يكون القدوة لغيره، ولكن أحيانًا كثيرة فإن نوايانا قد تعيق طريقنا وتمنع تقدمنا، وذلك عندما نستمر في تكرار النهج نفسه ولا نحاول التغيير بشكل حقيقي، فالسبورة ظلت كما هي، وكان التغيير فقط على لونها من السواد إلى البياض، أما طاولات الطلاب فظلت تحتفظ بذلك الترتيب والشكل، وظلت تلك الفصول الكئيبة التي لا تستطيع أن تواكب تلك الطاقات والأفكار الكامنة في عقول الأطفال.

كما أن انشغالنا في خطط التعليم وغيرها من الخطط بثقافة المقارنة بالتعليم السنغافوري والكوري والسويدي والنرويجي هي أمور قد تصنع شيئًا من الرضا الوقتي ولكنها قد تأتي بآثار عكسية، فالتقليد لم يكن في يوم من الأيام مفيدًا إلى درجة الابتكار والإبداع، أن الخطط والمشاريع المؤقتة التي يتم ضخها مؤقتًا في المؤسسات التعليمية قد تجعل مسؤول التعليم حاليًا يشعر بالرضا، ولكن ما إن يتم استبداله، حتى يأتي المسؤول الآخر ليبدأ من الصفر، ويؤكد أن تلك المشاريع السابقة لم تكن فعالة أو مفيدة، ولعل الحل الأمثل أن نضع الحلول التعليمية من منظور الطفل والأسرة، وليس من منظورنا كمسؤولين، وإلا سيظل الكثير من التلاميذ يظنون أن مصر هي أم عباس.