الأول أن هذا على مستوى التنظير أما واقعًا فإنه لم يحدث فهو كتنظير الإجماع، فقد افترضوه ولكنه لم يحدث إلا ظنًا والتواتر مثله، فهل يوجد حديث يكون منكره كحال من ينكر آية قرآنية من حيث احتمالية الكفر والجرأة على القطعيات والتشنيع عليه في ذلك مما يدعى أنه حديث متواتر.. فمن أشهر الأحاديث المتواترة التي تتردد في كتب الحديث حديث «إنما الأعمال بالنيات» وحديث «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» فهل من ينكر صدورهما من النبي كمن ينكر آية قرآنية.. ربما القول بجواز الكذب على النبي هو الإثم لكن هذا يختلف عن قطعية الحديث نفسه.
الآخر، أنه يمكن تواطؤهم على الكذب ولو كان عددهم 500 وأن يكون هذا التواتر مصطنعًا أو مزيفًا، فقد يعمد شخص إلى جمع مثل هذا العدد ويلقنهم حديثًا، ثم يأمرهم بأن يدعي كل منهم أنه سمعه ممن قبله (الجيل السابق) ثم يلقيه إلى من بعده (الجيل التالي) مع تفرقهم في الأمصار وإظهار عدم التقائهم ببعضهم، فهنا سيظهر أنه متواتر في جميع الأزمان والأماكن مع أنه مفتعل، وهذا في التواتر اللفظي والمعنوي والذي يعني نقل حكم منتشر لكنه قائم على خبر آحاد، وبالتالي يصعب جعله من القطعيات.
أما التواتر العملي فهو واقع معاش أطبقوا عليه جميعهم وممارس في زمن النبي وينتقل عبر الأجيال، وهذا التواتر مؤكد ولا يمكن تزييفه ويمكن إلحاقه بالقطعيات مما كان واجبًا منها كأعداد الركعات في الصلاة. وكما يتناقل البشر عبر أجيالهم الزواج منذ فجر التاريخ، فتزييف واقع معاش في زمن أصعب بكثير من تزييف قول، فمثلا لا يمكن لأحد في زمننا أن ينكر واقعًا يعيشه مجتمعنا قبل مئتي عام كعملهم في الزراعة والرعي، حتى ولو تعمد شخص ذو قوة ونفوذ ذلك أثناء هذه الفترة، لكن يمكنه أن ينسب قولا لشخصية تاريخية بها وينشر هذا القول.. والعجيب أن من ينكر صفة الصلاة المعروفة اليوم يدعي افتعال التواتر دون أن يعطينا الحيثية وآلية ذلك.