لا تكتب قبل الأربعين، فإن كنت ولابد كاتبا، فلا تنشر، فإن كنت ولا بد ناشرا، فلتكن بمحاذاة حائط التخصص، فتقوم بالاستنتاج والربط ولا تدلي بدلوك إلا فيما ندر.

آفة الرأي المراجعات، وإن كان التغيير في الرأي واردا حتى حد معين، لكنه أمر يؤدي التوسع فيه إلى فقدان الكاتب موثوقية الموقف.

ربما يعتقد البعض أن انتشار الإعلام الجديد بوسائله المتعددة وسقفه المرتفع وسهولة الدخول إليه، قلل من رهبة الكتابة. وأظن أن هذا الرأي مبني على الأثر اللحظي لفعل الكتابة، ولا يأخذ بعين الاعتبار أن الكتابة تجربة تراكمية، يصنع الكاتب من خلالها تاريخه ومرجعيته. وهذا ينطبق على الكتابة بكل أشكالها.


حسنا.. فلماذا الأربعون؟

يقول كارل يونغ (الحياة فعليا تبدأ في الأربعين، وحتى ذلك الوقت أنت تقوم بمجرد أبحاث)، فالأربعون عمر تنضج فيه تجربة الحياة، وبالنسبة للكاتب فإنه يكون قد أخضع غالبية آرائه للاختبار، أصبح أكثر وجلا وأقل زهوا بما يكتب. وفي هذه المرحلة ربما لا يختار السقوط المدوي لقطع المسافة من قمة الخيال إلى أرض الواقع، بل يفضل بلوغ غايته سيرا على الاقدام.

هذا لا يعني أن يتمسك الكاتب بوجهة نظر يرى عدم وجاهتها، بل التغيير في وقته وظرفه هو شجاعة أدبية، كما أن التغيير لا يعد مثلبة على صنعة النص إن كان جيدا.

الأمر هو أن الكاتب الأكثر سبرا لأغوار ذاته الإبداعية، يدرك في اللحظة التي يسجل فيها موقفا، أن هذا الموقف قد يكون قابلا للتغيير مستقبلا. فيكتب على هذا الأساس.

نصيحة أخيرة.. (ألق نظرة على مرآتك قبل الخروج). حاول أن تتجرد من الانتماء للنص بعد الفراغ من كتابته وتتقمص دور القارئ الناقد. كن أول القراء وأول النقاد لما تكتب.

وقطعا سوف يدهشك ما يكشف عنه النص من توجهات وبواعث، وربما تكون هذه هي اللحظة المناسبة للتغيير.