وحظيت القمة بأهمية بالغة من كونها اهتمت بالرد على المقترح الذي تقدم به الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والذي يهدف بالأساس إلى تهجير كل سكان القطاع إلى دول أخرى، على أن تتولى الولايات المتحدة إدارة غزة وتحويلها إلى منطقة سياحية عالمية.
ورغم محاولة واشنطن ممارسة ضغوطها على بعض الأطراف لتمرير المقترح إلا أن صلابة الموقف العربي دفعت ترمب لتغيير موقفه، مشيرا إلى أنه لن يحاول فرض مقترحه وإنما سيقدمه كتوصية، ودعا الدول العربية إلى تقديم خطتها لإيجاد حلول لأزمات القطاع. لذلك توافقت الدول العربية على إعداد خطة بديلة لإعمار غزة، تستصحب كل المتغيرات العالمية وتراعي احتياجات سكانه، على أن تتضمن آجالا زمنية محددة.
لذلك وما أن اكتملت ملامح إعداد الخطة حتى تمت الدعوة للقمة العربية الطارئة لاعتمادها، توطئة لعرضها على المجتمع الدولي وتحديد مصادر تمويلها والبدء في تنفيذها، على أن يتم تكوين لجنة مختصة تتولى التنسيق والتواصل مع الدول المانحة الرئيسية بما يضمن الانتهاء من تنفيذ الخطة في خلال فترة زمنية تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات.
وتأكيدا لعدم تهجير سكان القطاع خلال فترة البناء والتشييد، نصت الخطة بوضوح على إنشاء ثلاثة مخيمات ضخمة للسكان تتمتع بجميع وسائل العيش الأساسية مثل المياه والكهرباء، وإدخال آلاف المنازل المتنقلة والخيام إلى المناطق الآمنة للعيش، على أن يتم نقل السكان خلال فترة محددة لوحدات سكنية آمنة، وتوفير كميات كافية من البضائع والوقود إلى القطاع كما كانت قبل نشوب الحرب.
ونسبة لتحديد موضوع القمة والتحضير الجيد الذي سبقها فقد جاءت مخرجاتها بحجم الطموحات، واستطاعت تلبية المطلوب منها بالضبط، حيث اضطلعت المملكة العربية السعودية بمسؤوليتها التاريخية وكانت كالعهد بها دوما رائدة في رص الصفوف والوصول لوحدة الكلمة.
ولم يكن الموقف السعودي الداعم لفلسطين مفاجئا لأحد، فهو ثابت وراسخ في سياساتها. لذلك وبمجرد إفصاح ترمب عن مقترحه سارعت المملكة بإبداء وجهة نظرها بمنتهى الوضوح، مؤكدة على حق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه، وأعلنت رفضها التام لكل مخططات التهجير التي لن تضع حدا للأزمة وسوف تتسبب في تفاقمها وزيادة آثارها السالبة على السلم والأمن الدوليين.
وجاء بيان الخارجية السعودية ليؤكد هذه الحقائق ويجدد رفض المملكة القوي لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، حيث قال «الشعب الفلسطيني الشقيق صاحب حق في أرضه، وليس دخيلًا عليها أو مهاجرًا إليها يمكن طرده متى شاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم»، وتؤكد أن حق الشعب الفلسطيني الشقيق سيبقى راسخا، ولا يستطيع أحد سلبه منه مهما طال الزمن، وأن السلام الدائم لن يتحقق إلا بالعودة إلى منطق العقل، والقبول بمبدأ التعايش السلمي من خلال حل الدولتين.
لذلك فإن القادة المشاركين في القمة كانوا أمام تحد تاريخي كبير تمثل في كيفية التعامل بحسم مع الأفكار التي جاءت في المقترح الأمريكي، حيث تصدوا وقدموا طرحا متكاملا للوصول إلى حلول مستدامة على أساس مبادرة السلام العربية التي تم عرضها في قمة بيروت عام 2002 بوصفها السبيل الأوحد لإيجاد حلول عادلة ترضي كل الأطراف، وتضع حلا نهائيا للأزمات في المنطقة.
ومن أكبر المكاسب التي حققتها القمة الطارئة هو التعامل الجاد مع فكرة تهجير الفلسطينيين من أرضهم، فعلى الرغم من التراجع الجزئي الذي أبداه الرئيس الأمريكي بعد الموقف العربي والدولي الصارم، إلا أنه لا ينبغي التهاون مع مثل تلك الأفكار التي لم يكن عرضها في هذا التوقيت من قبيل الصدفة، بل هو جزء من خطة إستراتيجية وعميقة، تهدف للقضاء نهائيا على فكرة إقامة دولة فلسطينية، وتخفيف الوجود الديموغرافي للفلسطينيين في غزة أولا ومن بعدها الضفة الغربية، وهو ما يخطط له نتنياهو.
إن كان هناك من يستحق التنويه والإشادة فهو استمرار المواقف السعودية الشجاعة في دعم الفلسطينيين والحفاظ على قضيتهم لتبقى دائما في صدارة اهتمامات العرب والمسلمين. فالمملكة التي تتمسك بمبادرة السلام العربية أعلنت في أكثر من مناسبة أنه لا سبيل لإقامة علاقات مع دولة الاحتلال إلا بعد إيجاد حلول نهائية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق المرجعيات الدولية المعتمدة، وهي تعني ما تقوله وتتمسك به.
ما نحتاجه الآن هو المزيد من التنسيق واستثمار النجاح الذي تحقق لقيادة حملة دبلوماسية مكثفة في مصانع القرار العالمي لتشكيل مزيد من الضغوط على دولة الاحتلال وإرغامها على التجاوب مع الجهود الدولية لإيجاد حل عادل للقضية استنادا على المرجعيات المعتمدة وفي مقدمتها المبادرة العربية وحل الدولتين.
وعلينا استثمار حالة الزخم التي تحظى بها القضية في هذا الوقت، لا سيما مع مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لتجفيف الحروب في العالم. ورغم دعمه المطلق للجانب الإسرائيلي إلا أنه بالإمكان إقناعه لتبني نهج شامل لحل هذه القضية يتضمن التعامل مع أزمة غزة، وإنشاء دولة فلسطينية، وإقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل والعرب، وبذلك تفتح أمامه الآفاق للحصول على جائزة نوبل للسلام التي يسعى إليها.