يقصد بمصطلح «أزمة» أي وضع جديد يتطلب إبداء رد فعل لاستعادة التوازن أو لنقل إنها مرحلة انتقالية تحتاج لإدارة وتنظيم.
ويبدو أن الوجود عبارة عن أزمة متسلسلة، قال الله تعالى: «لقد خلقنا الإنسان في كبد».
يقال إننا نواجه أزمتنا الأولى «الاختيار» في عالم الذر، عالم العهد والشهادة الذي كنا فيه أرواحا بلا بوصلة، يليها أزمة «التجسد» حيث انتقال الروح إلى الجسد، وهذه أزمة أخرى تأتينا أيضا قبل الوعي، ثم أزمة «التخلق» الجنيني بما تحمله لنا من احتمالات الموت والحياة، ثم أزمة «الخروج» تلك الأزمة الخانقة التي نواجهها في لحظة الميلاد، إذ يكتمل تحولنا إلى مادة وعلينا لأول مرة أن نلامس الماء والهواء والأشياء، ثم أزمة «الاكتشاف» الواعي التي نواجهها في مرحلة الطفولة، اكتشاف واقعنا وقبول خياراته التي تفرض علينا. ثم أزمة «الانسلاخ» في فترة المراهقة حيث التغيرات الأشد والأقسى في تاريخنا، تغيرات جسدية ونفسية وفكرية تعيد تشكيلنا وتصنع مستقبلنا.
بعدها تبدأ مرحلة الشباب وفيها نواجه أزمة اسميها (المخاوف) مخاوف المال والمهنة والارتباط والإنجاب والتوقعات.
إنها رحلة كفاح طويلة ترسو بعدها قواربنا المتعبة على شواطئ «منتصف العمر». مرحلة اشتد فيها العود وتوازنت الأفكار واتضحت الرؤى ونضجت الروح. مرحلة الاستقرار المالي والعاطفي، فيها يكون قد كبر أبناؤك وأصبحوا مستقلين، وتوثقت علاقتك الزوجية وامتلأت بملامح الصداقة وبصمات التجارب، واستقرت مصروفاتك ومواردك وزادت مدخراتك.
هذا عصرك الذهبي بلا منازع، فاشعر بالامتنان على سلامة الوصول، ولا تستمع لمن يرهبونك من التجاعيد أو أفول الشباب أو بعض التغيير في مزاجك ورغباتك.
لن تصل التجاعيد إلى عقلك أو روحك، أنت سوف تبقى كما أنت مع وقت فراغ أكثر وأمان مادي أكثر واتزان عاطفي أكثر... لقد أصبحت كثيرا في كل شيء.
عليك فقط أن تتخذ قرارا بالسعادة والفخر بما أنجزت في حياتك، وتستثمر وقتك وخبراتك، فإذا كنت صاحب هواية كالرسم أو الموسيقى أو الكتابة أو البستنة فهذا أنسب وقت للإبداع.
وإن كنت محبا للتعلم فكل يوم جديد هو فرصة سانحة للتعلم. اقرأ في علم جديد أو لغة جديدة أو أسهم في نقل معرفتك لغيرك.
وإن كنت محبا للسفر فهذا هو وقت اكتشاف العوالم والثقافات التي فاتك اكتشافها سابقا، خطط لرحلات اقتصادية على مدار العام، واكتسب أصدقاء في كل بلد وعش مغامرات تثري ذاكرتك.
ونصيحة أخيرة: في وقت كهذا لا تفكر في تغيير شريكك، هذا قرار خطأ ومكلف، فأنت أحوج ما تكون للاقتراب من الشخص الذي بنى معك منزلك وقيمك وتاريخك، إن تغيير الشريك بهدف استرجاع الشغف المؤقت هو عمل إدماني يستهلك وقتك دون فائدة.
ختاما.. منتصف العمر أكثر مراحل العمر وفرة من حيث عدد الخيارات، بيدك وحدك أن تحول هذه المرحلة إلى أزمة أو إلى جزء ممتع من رحلة الوجود.