ومنذ تأسيس مجلس الشورى، ظل قادة هذه البلاد يحرصون على مخاطبة أعضائه عند بدء كل دورة جديدة، وهو الأمر الذي استمر طيلة السنوات الماضية، وجعلته القيادة الرشيدة في مقدمة اهتماماتها، ورغم تعدد المسؤوليات وكثرة الارتباطات والمشغوليات، إلا أنها أبدت حرصًا كبيرًا على مخاطبة المجلس، وتنوير أعضائه بمنهج بلادنا وفق مستجدات السياسة الدولية، وتحديد أولويات الداخل، وحثهم على القيام بدورهم على الوجه الأكمل. وكعادته جاء الخطاب السنوي شاملا، حدّد فيه قائد الأمة وكبير البيت ملامح السياسات العامة للدولة خلال الفترة المقبلة، ورتّب الأولويات حسب أهميتها، وأوضح بجلاء تفصيل السياسات الداخلية والخارجية، وهو ما يستوجب من الأعضاء الكرام مضاعفة الجهود خلال الفترة المقبلة لترقية الأداء، وزيادة وتعزيز التناسق بين السلطتين التنفيذية والتنظيمية، وتفعيل ومراقبة الأداء الحكومي، وهو الدور الذي لا شك أنهم يدركون أبعاده جيدا، ويمنحونه غاية العناية والاهتمام.
هذه التوجيهات السديدة والإضاءات اللافتة لا ينبغي النظر إليها على أنها مجرد توجيهات يلقيها مسؤول، بل هي خلاصة سنين طويلة من الخبرة المعتقة بالانتماء لهذا الوطن الكريم، وعصارة تجربة تعود إلى عشرات السنين قضاها -أيده الله- في العديد من مواقع البذل والعطاء. لذلك ظلت على الدوام معينا لا ينضب من الحكمة والعبر والعظات التي تتيح لأعضاء المجلس فرصة ذهبية كي يستنيروا برؤيتها السديدة، ويستفيدوا من حكمتها البالغة، ورؤيتها الثاقبة حول كافة القضايا.
وفي خطابه جدد الملك -حفظه الله- مطالبة أعضاء المجلس بضرورة التجاوب التام مع تطلعات المواطنين الكرام وترجمتها إلى برامج عمل، مؤكدًا أن المواطن السعودي يظل هو المحرك الرئيسي للتنمية وأداتها الفعالة، وهو محور الاهتمام وعماد الإنجاز وأمل المستقبل.
وتطرق أيضًا إلى ضرورة مواصلة الحملة المباركة لمحاربة الفساد، ومراقبة أوجه صرف المال العام، والتمسك بقواعد كفاءة الإنفاق الحكومي.
كما أشار إلى أن المملكة ماضية في سبيلها نحو تمكين المرأة، ولم ينس -حفظه الله- فئة الشباب التي ظلت تنال حيزًا كبيرًا من اهتماماته، حيث أشار إلى حتمية تمليكها كافة أساليب الترقي وزيادة المهارات والقدرات، حتى تكون أكثر قدرة على تحمل مسؤوليتها الوطنية وتتسلم راية العمل والإنتاج. وفي هذا المقام يبرز اهتمامه الكبير بالتوسع في برامج الابتعاث لأرقى الجامعات العالمية واتخاذ كافة الإجراءات لتوطين الوظائف.
أهدافنا الاستراتيجية كثيرة ومتشعبة، ولأن الطموح الذي يمتاز به قادة وأبناء هذه البلاد لا يحده سقف، ولا يتوقف رغم تواصل النجاحات، فإن هناك حاجة ماسة إلى المزيد من العمل والبذل، حتى تتبوأ بلاد الحرمين مكانتها في صدارة دول العالم، وتستمر في تحقيق نجاحاتها اللافتة.
لذلك أقول لإخواني الكرام أعضاء المجلس إنهم من الذين تشرفوا بثقة القيادة الحكيمة التي ترى أنهم أهل لهذا الشرف الرفيع، وتظن فيهم خيرًا، وتعطيهم الفرصة لمواصلة خدمة هذا الوطن الكريم الذي منحنا كل أسباب الفخر والاعتزاز، لذلك فإن شرف التكليف والمسؤولية يستوجب منا جميعًا الحرص على تحويل مضامين الخطاب الملكي إلى أفعال، وترجمة الآمال والطموحات إلى واقع يعيشه المواطن الكريم خيرًا ونماء.
وحتى نستطيع أداء هذه الأمانة فإنه لا بد من الوقوف مع النفس، واسترجاع تفاصيل الدورات السابقة، وتحديد الأولويات كي نبني عليها مفردات المرحلة المقبلة، والوقوف على السلبيات لتجاوزها واستدراكها، لأن تقييم الأداء هو أبرز المداخل نحو المزيد من التجويد.
ومما يبعث على التفاؤل بمواصلة تحقيق النجاح الدور الكبير الذي ظلت تلعبه قيادة المجلس في توجيه بوصلة العمل بما يؤدي لإنجاز الأهداف المرصودة، وذلك بوجود معالي الشيخ الدكتور عبدالله آل الشيخ الذي يسخر خبراته العريضة وقدراته المتعددة لمساعدة الأعضاء على القيام بواجباتهم، ويستخدم علاقاته الواسعة لتعزيز دور المجلس داخليًا وخارجيًا، سواء على المستوى التشريعي أو الرقابي، أو حتى على مستوى الدبلوماسية البرلمانية وهو ما أكسبه ثقة القيادة ومحبة الأعضاء.
لذلك فإني على ثقة في أن تواصل الدورة الحالية مسيرة التميز التي عرف بها المجلس منذ تأسيسه، وسيكونون بإذن الله على قدر المسؤولية لنقل أصوات مجتمعاتهم للمسؤولين، واستكمال مسيرة التنمية والتطور التي تشهدها بلادنا، وهي أدوار تدركها رئاسة المجلس وأعضاؤه ويمتلكون القدرة على تحقيقها.