انتشرت مؤخرا مقاطع لمواطنات سعوديات في الخارج يطلبن المساعدة للعودة إلى المملكة بعد معاناة الاغتراب عن الأهل والوطن.

جدير بالذكر أن السعوديين لا يتركون وطنهم طلبًا للرزق كغيرهم، ولا هربًا من احتلال أو اضطهاد سياسي أو ملاحقة حزبية. ما كان يحدث للسعوديين والسعوديات هو حرفيًا جريمة اختطاف سياسي. وقد كان (الاختطاف السياسي) أحد أصعب التجارب التي واجهها مجتمعنا وعانى منها لسنوات.

كانت لعبة سياسية كبرى تلك التي أحاطت بنا، فأخذت تيارات اليمين المتطرف تختطف الشباب وترسلهم لمواطن الصراع بدعوى الجهاد ونصرة الدين، بينما تيارات اليسار المتطرف تختطف الفتيات تحت دعاوى الحرية الزائفة والمستقبل الأفضل.


اليوم نتحدث عن هذه الأزمات وقد تجاوزناها منذ سنوات، بفضل تأييد الله للقيادة السعودية القوية والاستثنائية. التي استطاعت في سنوات قلائل تعديل المسار وانتزاع جذور التطرف وتعزيز سلطة القانون وتدمير مشاريع الخاطفين يمينًا ويسارًا.

اليوم كل مواطنة في الخارج تعلن رغبتها في العودة إنما هي شاهد على انتصارنا وهزيمة أعدائنا. وكل طائر مهاجر يغرد اشتياقًا للوطن هو انتصار لمشروع الأمة السعودية العظيمة.

ولطالما كان قلب الوطن كبيرًا وأبوابه مشرعة في انتظار العائدين، فقد رأينا كم من الجهود بذلتها الحكومة السعودية وسفاراتها في الخارج للوقوف بجانب هؤلاء الذين تعبوا من الترحال إلى الوجهات الخاطئة، وانحصرت أحلامهم في الحصول على فرصة ثانية ورحلة عودة إلى الوطن. كما رأينا برامج في الداخل كالمناصحة ومراكز الوعي الفكري وغيرها من جهود (الإنقاذ) التي تبذلها الحكومة لدعم ومساندة مواطنيها أينما كانوا.

ولكن يبقى للفتيات وضع خاص، فبعضهن لم تجد بعد طريق العودة، وبعضهن الآخر رحلن عن أسرة غير صالحة أو شخص معنف وتخشى أن تعود إلى وضعها السابق. فتضطر لنشر مقاطع على وسائل التواصل أو الاتصال بمشاهير تطلب منهم المساعدة. وغيرها من حالات رأيناها توحي بأن وضعهن يحتاج للدراسة واكتشاف المزيد من طرق الإنقاذ.

أعتقد أن هذا الملف بحاجة إلى برنامج دعم وطني وعمل منظم وذلك من خلال تشكيل لجان خاصة من الوزارات والجهات المعنية تبدأ بحصر أعدادهن ثم إعلان خط ساخن يخدم من ترغب في العودة للوطن، أو من تواجه منهن مشكلة أو تهديدًا وتحتاج للمساندة. كما تعمل هذه اللجان على إعادة تأهيل ودمج العائدات في مجتمعهن والإفادة من تجربتهن فهن حرفيًا (ناجيات) من أزمة اختطاف.

والذي يظهر أن غالبية الحالات من الفتيات رحلن في عمر مبكر، دون خبرات أو تأهيل علمي أو مهني، وطبعًا دون أن يكون لديهن أي وعي سياسي أو فكري. وكأنما اعتقدت الواحدة منهن أنها ذاهبة إلى نزهة أصعب ما فيها تجهيز حقيبة السفر وركوب الطائرة ! ويبقى الأمر في إدراكها على هذا الحال حتى تحين لحظة الاكتشاف. وأتصور أنها لحظة حرجة جدًا، إذا علمنا أنها انتهت بعدد منهن كما رأينا إلى الموت.

ختامًا.. إن فكرة العودة هي دائمًا أصعب من فكرة الرحيل. فبينما يأتي الرحيل محاطًا بالأحلام والوعود، تكون العودة محملة بالانكسارات والندم..

وفي لحظة قاسية كهذه تكون أشد احتياجات الفتاة مجرد صوت يرشدها إلى طريق منزلها.. فليكن لدينا إذا برنامج وطني يحمل إليهن هذا الصوت في الوقت المناسب.